كتاب جامع الصحيحين لابن الحداد (اسم الجزء: 4)

[20] ذكر الرهط الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري، وذكر مقتلهم
3819 - (خ) - حدثنا أحمد بن محمد بن عمر النقاش، قال: ثنا أحمد بن إبراهيم الفائتي، قال: ثنا أبو عمرو، قال: ثنا أبو أمية، قال: ثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي، وكان حليفا لبني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة:
أن أبا هريرة قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن الأقلح الأنصاري، جد عاصم بن عمر بن #525# الخطاب، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدة -وهي بين عسفان ومكة- ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فنفروا إليهم بقريب من مئة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا نوى تمر يثرب، فاتبعوا آثارهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد، وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم؛ ولكم العهد والميثاق أن لا يقتل منكم أحد، فقال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل وقاتلوهم، فقتلوا عاصما في سبعة، ونزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم: خبيب الأنصاري، وابن دثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم، فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا صحبتكم؛ إن لي في هؤلاء أسوة -يريد: القتلى-، فجرروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب بن عدي وابن دثنة، حتى باعوهما بمكة، وذلك بعد وقعة بدر، فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، بن عبد مناف، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا، فأخبرني عبيد الله بن عياض: أن ابنة الحارث أخبرته: أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها للقتل، فأعارته، قالت: فدرج ابن لي، وأنا غافلة، حتى أتاه، قالت: فوجدته مجلسه على فخذه، والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي، فقال: أتخشين أن أقتله؛ ما كنت لأفعل ذلك، قالت: والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من #526# خبيب؛ والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده، وإنه لموثق في الحديد، وما بمكة من ثمرة، فكانت تقول: إنه لرزق من الله رزقه خبيبا، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، ثم قال: لولا أن يظنوا أن ما بي جزع لزدت، ثم قال: اللهم أحصهم عددا:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث، فقتله، وكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا، واستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر النبي [صلى الله عليه وسلم] خبرهم أصحابه يوم أصيبوا، وبعث أناس من كفار قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله تعالى على عاصم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسولهم، فلم يقدر على أن يقطع من لحمه شيئا.

الصفحة 524