3872 - (م) - حدثنا أحمد بن سهل بن محمد، قال: أنبأ أبو سعد، قال: أنبأ محمد بن [أحمد]، قال: أنبأ الحسن، قال: ثنا أبو #575# بكر، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن عكرمة بن عمار، قال: حدثني إياس بن سلمة:
عن أبيه قال: قدمت المدينة من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت أنا ورباح غلام النبي [صلى الله عليه وسلم] أنديه مع الإبل، فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، فقتل راعيها وخرج يطرد بها هو وأناس معه في خيل، فقلت: يا رباح! اقعد على هذا الفرس، فألحقه بطلحة، وأخبر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه قد أغير على سرحه، قال: فقمت على تل، وجعلت وجهي من قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه! ثم اتبعت القوم معي سيفي ونبلي، فجعلت أرميهم وأعقر بهم، وذاك حين يكثر الشجر، قال: فإذا رجع إلي فارس جلست له في أصل شجرة، ثم رميت، فلا يقبل علي فارس إلا عقرت به، فجعلت أرميهم وأنا أقول:
[خذها و] أنا ابن الأكوع
اليوم يوم الرضع
فألحق برجل وهو على رحله، فأرميه، فيقع سهمي في الرحل حتى انتظمت كتفه، فقلت:
خذها وأنا ابن الأكوع
اليوم يوم الرضع
#576#
فإذا كنت في الشجرة أحرقتهم بالنبل، وإذا تضايقت الثنايا علوت الجبل، فردأتهم بالحجارة، فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم وأرتجز حتى ما خلق الله شيئا من ظهر النبي صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري واستنقذته من أيديهم، ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون منها، ولا يلقون من ذلك شيئا إلا جعلت عليه الحجارة وجمعته على طريق رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، حتى إذا امتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري ممدا لهم، وهم في ثنية ضيقة، ثم علوت الجبل، فأنا فوقهم، فقال عيينة: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح ما فارقنا سحرا حتى الآن، وأخذ كل شيء في أيدينا وجعله وراء ظهره، فقال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه طلبا لقد ترككم، وقال: ليقم إليه نفر منكم، فقام إلي نفر منهم أربعة، فصعدوا في الجبل، فلما أسمعتهم الصوت قلت لهم: أتعرفونني؟ قالوا: ومن أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع، والذي كرم وجه محمد! لا يطلبني رجل منكم؛ فيدركني، ولا أطلبه؛ فيفوتني، قال رجل منهم: إني أظن، قال: فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر، فإذا أولهم الأخرم الأسدي، وعلى إثره أبو قتادة فارس رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، وعلى إثر أبي قتادة المقداد الكندي، قال: فولى المشركون مدبرين، وأنزل من الجبل، فأعرض للأخرم، فآخذ بعنان فرسه، قلت: يا أخرم! انذر القوم -يعني: احذرهم-؛ فإني لا آمن أن يقتطعوك، فاتئد حتى يلحق رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه، فقال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم #577# الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة، قال: فخليت عنان فرسه، فلحق بعبد الرحمن بن عيينة، وتعطف عليه عبد الرحمن، فاختلفا طعنتين، فعقر الأخرم بعبد الرحمن، وطعنه عبد الرحمن فقتله، فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم، ولحق أبو قتادة بعبد الرحمن، فاختلفا طعنتين، فعقر بأبي قتادة، وقتله أبو قتادة، وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم، ثم إني خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى شيئا، ويعرضون قبل غيبوبة الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: ذو قرد، فأرادوا أن يشربوا منه، فأبصروني أعدو وراءهم، فقطعوا عنه، وسندوا في الثنية ثنية ذي ثبير، وغربت الشمس، فألحق رجلا، فأرميه، قلت:
خذها وأنا ابن الأكوع
واليوم يوم الرضع
قال: يا ثكل أمي! أكوعي بكرة؟! قلت: نعم، أي عدو نفسه! وكان الذي رميته بكرة، فأتبعته بسهم آخر، فعلق فيه سهماي، ويخلفون فرسين، فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، وهو على الماء الذي جليتهم عنه بذي قرد، فإذا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في خمسمئة، وإذا بلال قد نحر جزورا مما خلفت، فهو يشوي من كبدها وسنامها، فأتيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، فقلت: يا رسول الله! خلني، فأنتخب من أصحابك مئة رجل، فآخذ على الكفار بالعشوة، فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته، #578# قال: ((أكنت فاعلا ذاك يا سلمة؟)) قلت: نعم، والذي أكرمك! فضحك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حتى رأيت نواجذه في ضوء النار، ثم قال: إنهم يقرون الآن بأرض غطفان، فجاء رجل من غطفان، فقال: مروا على فلان الغطفاني، فنحر لهم جزورا، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة، فتركوها وخرجوا هرابا، فلما أصبحنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير فرساننا اليوم: أبو قتادة، وخير رجالتنا: سلمة))، وأعطاني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سهم الراجل والفارس جميعا، ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة، فلما كان بيننا وبينها قريب من ضحوة، وفي القوم رجل من الأنصار وكان لا يسبق، فجعل ينادي: هل من مسابق؟ ألا رجل يسابق إلى المدينة؟ فعل ذلك مرارا وأنا وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم مردفا، فقلت له: أما تكرم كريما ولا تهاب شريفا؟ قال: لا؛ إلا رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي! خلني، فلأسابق الرجل، فقال: ((إن شئت))، فقلت: أذهب إليك، فطفر عن راحلته، وثنيت رجلي فطفرت عن الناقة، ثم إني ربطت عليها شرفا أو شرفين حتى استبقيت نفسي، ثم إني عدوت حتى ألحقه، فأصك بين كتفيه بيدي، فقلت: سبقتك والله، أو كلمة نحوها، قال: فضحك، وقال: إني أظن، حتى قدمنا المدينة.