كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد (اسم الجزء: 4)

أحدهما قد عرف الناس أمره كيف كان، وأنه قد كان تجهم، وصحب بشرا المريسي، ثم جاء إلى الناس فأظهر تكفير الجهمية بالنفاق منه -عدو اللَّه- لما رأى من الذلة حتى إذا ظن أنه قد تمكن أظهرها ثانية.
وآخر قد عرف الناس جهله، وإن كان قد سمع الحديث، فقد عرف أهل العلم بأنه ليس من أهل المعرفة بمعاني الأخبار ولا بأحكامها ولا بالتفقه فيها ولا بالتمييز لضعيفها من قويها، وأنه صاحب لجاج وخفة وقلة فهم بحمد اللَّه ونعمته، وإلا فهل يشتبه أمر هؤلاء على أحد له في اللَّه نصيب، إن قومًا قصدوا إلى جعل جهم وضرار، وأبي بكر الأصم، وبشر المريسي، رؤساء الضلالة والكفر، وإلى مثل عبد اللَّه بن المبارك، وابن عيينة، ووكيع، ويزيد بن هارون، فقالوا: هؤلاء وهؤلاء سواء أحكامهم واحدة.
هؤلاء فيما أحدثوا من التكذيب بكتاب اللَّه، وقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ جحدوا كلام اللَّه وصفاته، وقالوا: إن أسماءه مخلوقة، فلم يثبتوا شيئًا، حتى قال حماد بن زيد: إنما يحاولن أن لا شيء في السماء (¬1).
رواه عنه سليمان بن حرب، ورواه إبراهيم بن سعد أو، شعيب: إنما يعبدون صنما. ورواه عنهم هارون بن معروف، فسووا بينهم وبين الذين قاموا بكتاب اللَّه وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقد بين اللَّه لنا أمرهم بأئمتنا الذين أدركناهم، وبما نقل إلينا الثقات عمن مضى من سلفنا، مثل: جعفر بن محمد، وحماد بن زيد، وابن
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد" ص 9 (9)، وعبد اللَّه بن أحمد في "السنة" 1/ 117 (41)، وابن بطة في "الإبانة" 2/ 95 (329).

الصفحة 42