كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 4)
23 و ذكره السّخاوىّ فى «ذيله» على «رفع الإصر»، و بالغ فى الثّناء عليه، ثم قال، بعد أن عدّد شيئا من محفوظاته، و عدّد جماعة ممن أخذ عنهم، أولقيهم؛ كالشمس القونوىّ و صاحب «درر البحار»، و المولى حافظ الدين/البزّازىّ، صاحب «الفتاوى» المشهورة: و كانت ولايته لقضاء الحنفيّة بعد امتناع منه، و إلحاح عليه، و عزل نفسه غير مرّة، ثم ألزم و أعيد، و كان إماما عالما علاّمة، جبلا فى استحضار مذهبه، قوىّ الحافظة حتى بعد كبر سنّه، سريع الإدراك، شديد الرّغبة فى المباحثة فى العلم مع الفضلاء و الأئمة، مقتدرا على الاحتجاج لما يرومه، ذا عناية تامّة بالتفاسير و بالمواعيد، يحفظ من متون الأحاديث ما يفوق الوصف، غير ملتزم للصّحيح من ذلك، و عنده من الفصاحة و طلاقة اللسان فى التّقرير ما يعجز عن وصفه، لكن مع الإسهاب فى العبارة، فصار منقطع القرين، مفخر المصرين، ذا موقع و جلالة فى النفوس، و ارتفاع عند الخاصّ و العامّ على الرءوس، بحيث إنّه عرض على كلّ من الشيخ كمال الدّين ابن الهمام، و الأمين الأقصرائىّ الاستقرار فى منصب القضاء عوضا عنه، 1 فامتنع، مصرّحا 1 بأنّه لا يحسن التّقدّم مع وجوده.
و قدم الكمال ابن الهمام مرة من الحج، فأوّل ما ابتدأ قبل وصوله الى بيته بالسّلام على السّعد فى المؤيّديّة، و عقد مرّة عنده مجلس فى الصّالحيّة، فسئل به الأمين الأقصرائىّ عن شاء كان أفتى فيه فى قضيّة تتعلّق بحكم حكم به القاضى سعد الدين، فأجاب بقوله: أنا 2 أفتيت و لا شعور عندى بكون الاستفتاء يتعلّق بحكم مولانا قاضى القضاة، فالذى عندى أنّ مشايخنا المتأخّرين لو كانوا فى جهة، و هو فى جهة، كان عندى أرجح و أوثق.
و كان ابن حجر يثنى عليه، و يبالغ فى مدحه، و كذلك كان هو فى حقّ ابن حجر، رحمهما اللّه تعالى، فلقد كان للزمان بهما بهجة.
و قد حكى أنّهم سمعوا هاتفا يقول: بعد أحمد و سعد ما يفرح أحد.
قال السّخاوىّ: و لم يشغل نفسه بالتّصنيف، مع كثرة اطّلاعه و حفظه، و لهذا كانت
1 - 1) فى ذيل رفع الإصر: «فامتنعا مصرحين». و هو الصواب.
2) فى النسخ: «إن». و المثبت فى ذيل رفع الإصر.