كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 4)
42 هذا، و ميلهم إلى ما يميل عنه أهل الحقّ ممّن ذكرهم، و اعتقادهم أن لا علم إلاّ الكلام و المنطق، و ما أشبههما من العلوم التى نهى عنها أهل العلم، و حذّر منها أعلام الأمّة، حتى لقد سمعت ممّن أثق به من فضلاء الديار الروميّة، أنّه سمع شخصا من مواليهم يدّعى العلم، و ينسب/إليه، و يعتقد أنّه تفرّد به، و أن الفضائل انتهت إليه، يقول:
ما أظنّ أنّ الصّحابة كأبى هريرة، رضى اللّه تعالى عنه، و أمثاله، و لا التّابعين، لهم من الفهم و التّحقيق و الاستنباط ما لنا، و ما كانوا يعرفون ما نعرف من هذه التّحقيقات.
إلى غير ذلك من الهذايات، و هذا كلام زنديق أعمى اللّه بصيرته، و مكر به، فنسأل اللّه العافية و السلامة، و الوفاة على الإسلام بمنّه و كرمه.
و قال سفيان أيضا، فيما سمعه منه الفريابىّ: ما من عمل أفضل من طلب الحديث، إذا صحّت النّيّة فيه.
قال: و سمعته يقول: لو أردنا أن نحدّثكم بالحديث كما سمعناه، ما حدّثنا بحديث واحد.
و روى الذّهبىّ، أنّ شعيب بن حرب قال لسفيان الثّورىّ: حدّثنى بحديث فى السّنّة، ينفعنى اللّه به، فإذا وقفت بين يديه، و سألنى عنه، قلت: يا ربّ حدّثنى بهذا سفيان الثّورىّ، فأنجو أنا و تؤاخذ أنت. قال: اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم، القرآن غير مخلوق، منه بدأ و إليه يعود، من قال غير هذا فهو كافر، و الإيمان قول و عمل و نيّة، و يزيد و ينقص، و تقدمة الشّيخين، إلى أن قال: و لا ينفعك حتى ترى المسح على الخفّين، و حتى ترى الإخفاء ببسم اللّه الرحمن الرحيم أفضل من الجهر بها، و حتى تؤمن بالقدر، و حتى ترى الصلاة خلف كلّ برّ و فاجر، و الجهاد ماض إلى يوم القيامة، و الصّبر تحت لواء السلطان جار أو عدل.
قال شعيب: فقلت: يا أبا عبد اللّه، الصّلاة كلها؟ قال: لا، و لكن صلاة العيدين و الجمعة، صلّ خلف من أدركت، و أمّا سائر ذلك، فأنت مخيّر، لا تصلّ إلاّ خلف من تثق به، و تعلم أنّه من أهل السّنّة، إذا وقفت بين يدى اللّه تعالى و سألك عن هذا، فقل: يا ربّ، حدّثنى بهذا سفيان بن سعيد. ثم خلّ بينى و بين ربىّ عزّ و جلّ.
و قال الفريابىّ: سمعت الثّورى يقول: دخلت على المهدىّ، فقلت: بلغنى أنّ عمر، رضى اللّه تعالى عنه، أنفق فى حجّته اثنى عشر دينارا، و أنت فيما أنت فيه. فغضب و قال: تريدنى أن اكون فيما أنت فيه! قلت: فإن لم تكن فى مثل ما أنا فيه، ففى