كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 4)

الْقَاضِي حُسَيْنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُنَصِّبَ الْقَاضِي مُسَخَّرًا يَدَّعِي عَلَى الْمَدِينِ فَيَقُولُ لِي عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَلَهُ عَلَيَّ هَذَا كَذَا فَمُرْهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيَّ فَيُقِيمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ حِينَئِذٍ بِالْإِبْرَاءِ اهـ وَاسْتَشْكَلَهُ الْغَزِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ غَرِيمَ الْغَرِيمِ لَيْسَ بِغَرِيمٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ أَنَّهُ غَيْرُ غَرِيمٍ إذَا كَانَ مُنْكِرُ الدَّيْنِ الْغَرِيمَ فَحِينَئِذٍ لَا تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُقِرًّا كَمَا فِي صُورَتِنَا فَهُوَ غَرِيمٌ يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْحَاكِمُ مَا عَلَى الْغَرِيمِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِبْرَاءِ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ لَهُ عَيْنٌ تَحْتَ يَدِ آخَرَ فَهَلْ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِهَا مُطْلَقًا أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَتْ بِيَدِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَالْوَدِيعِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَبَذَلَ لَهُ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِرْعَابِ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ اسْتَقَلَّ بِأَخْذِهَا مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَإِلَّا رَفَعَ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْمَنْفَعَةِ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ كَالْمَالِكِ فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ النَّصِّ عَلَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ ذَلِكَ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّلَامَةُ جَازَ أَوْ الْفِتْنَةُ امْتَنَعَ وَكَذَا إنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَخَالَفَهُمَا الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَخْذُ عَيْنِهِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ بِنَاءٍ تَحْتَ أَيْدِي جَمَاعَةٍ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيَدَّعُونَ اسْتِحْقَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَنَازَعَهُمْ شَخْصٌ بِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ أَحْدَثَهُ الْحَاكِمُ الْفُلَانِيُّ ظُلْمًا عَلَى الشَّارِعِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَأَقَامَتْ تِلْكَ الْجَمَاعَةُ الْوَاضِعُونَ أَيْدِيهِمْ بَيِّنَةً بِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ وُجُودِ هَذَا الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَهَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ وَاضِعِ الْيَدِ وَيُحْكَمُ بِاسْتِمْرَارِ الِانْتِفَاعِ أَوْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُنَازِعِ فَيُمْنَعُ وَاضِعُ الْيَدِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِاسْتِمْرَارِ انْتِفَاعِ وَاضِعِ الْيَدِ وَعَدَمِ رَفْعِ يَدِهِ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ إمَّا مُتَعَارِضَتَانِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا تَقُولُ إنَّهُ أُحْدِثَ ظُلْمًا وَقْتَ كَذَا وَالْأُخْرَى تَقُولُ إنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَوَارَدَا عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ.
وَهَذَا تَعَارُضٌ مِنْ وَجْهَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ سَرَقَ كَذَا أَوْ غَصَبَهُ غُدْوَةً وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَهُ أَوْ غَصْبَهُ عَشِيَّةً تَعَارَضَتَا وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ الْفُلَانِيِّ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِهِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ الْفُلَانِيِّ تَعَارَضَتَا وَإِذَا ثَبَتَ تَعَارُضُهُمَا وَأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِإِحْدَاهُمَا حُكِمَ بِتَسَاقُطِهِمَا لِتَنَاقُضِهِمَا وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِشَيْءٍ فَتَبْقَى يَدُ الْوَاضِعِينَ عَلَى حَالِهَا فَيَتَصَرَّفُونَ فِي ذَلِكَ الْبِنَاءِ بِمَا أَرَادُوا.
وَإِمَّا مُتَعَارِضَتَانِ وَلِإِحْدَاهُمَا مُرَجِّحٌ وَهُوَ لَيْسَ إلَّا لِلْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّهَا اعْتَضَدَتْ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا الْيَدُ وَقَدْ قَالُوا إذَا تَعَارَضَتَا وَلِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ يَدٌ قُضِيَ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ تَارِيخُ بَيِّنَتِهِ لِتَرَجُّحِهَا بِالْيَدِ سَوَاءٌ تَعَرَّضَتْ لِسَبَبِ مِلْكِ ذِي الْيَدِ أَمْ لَا. ثَانِيهُمَا سَبْقُ التَّارِيخِ لِأَنَّ الشَّاهِدَةَ بِالْأَحْدَاثِ ظُلْمًا تَشْهَدُ بِهِ سَنَةَ عَشْرٍ مَثَلًا وَالْأُخْرَى تَشْهَدُ بِالْوُجُودِ سَنَةَ تِسْعٍ مَثَلًا فَالثَّانِيَةُ أَسْبَقُ تَارِيخًا فَتُقَدَّمُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِقَوْلِهِمْ لَوْ أَقَامَ أَحَدَهُمَا بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مِنْ سَنَةٍ وَالْآخَرُ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مِنْ أَكْثَرِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي وَقْتِ بِلَا مُعَارَضَةٍ وَفِي وَقْتٍ بِمُعَارِضَةٍ فَيَتَسَاقَطَانِ فِي الثَّانِي وَيَثْبُتُ مُوجِبُهَا فِي الْأَوَّلِ وَالْأَصْلُ فِي الثَّابِتِ دَوَامُهُ. فَكَذَا هُنَا تُقَدَّمُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ وُجُودَ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فِي وَقْتٍ بِلَا مُعَارَضَةٍ وَفِي وَقْتٍ بِمُعَارَضَةٍ فَيَتَسَاقَطَانِ فِي الثَّانِي وَيَثْبُتُ مُوجَبُهَا فِي الْأَوَّلِ وَالْأَصْلُ فِي الثَّابِتِ دَوَامُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ إفْتَاءُ ابْنِ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ مَاتَ

الصفحة 379