كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 4)
وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ إلَى نَحْوِ الْمَهْرِ أَوْ الْإِرْثِ بِأَنْ قَالَتْ أَسْتَحِقُّ عَلَى الْمُتَوَفَّى الْمَهْرَ وَالْإِرْثَ لَمْ يَحْتَجْ لِذِكْرِ شُرُوطِ الْعَقْدِ وَكَفَاهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَشَاهِدٌ وَيَمِينٌ لِأَنَّ مُدَّعَاهَا مَحْضُ مَالٍ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُسْمَعُ دَعْوَاهَا وَيُقْبَلُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينٌ لِأَنَّ الْمُدَّعَى مَالُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَيِّمِ طِفْلٍ ادَّعَى عَلَى قَيِّمِ طِفْلٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَهَلْ يَجِبُ الِانْتِظَارُ لِلْبُلُوغِ ثُمَّ الْحَلِفُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بَلْ صَرِيحُهُ وُجُوبُ ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَخَالَفَهُمَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالسُّبْكِيِّ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالُوا يُسَلَّمُ لَهُ الْمَالُ بَعْد الْحُكْمِ لَهُ بِهِ وَتَبِعَهُمْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْقُضَاةِ فَحُكِمَ بِهِ مِرَارًا بَلْ قَالَ إنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَأَنَّ أَهْلَ عَصْرِهِ لَمْ يَعْتَرِضُوهُ فِي حُكْمِهِ بِهِ وَاعْتَمَدَهُ أَيْضًا شَيْخُنَا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَج وَوَجَّهَهُ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الِانْتِظَارِ ضَيَاعُ الْحَقِّ فَإِنَّ تَرِكَةَ الْمَدِينِ قَدْ تَضِيعُ أَوْ يَأْكُلُهَا وَرَثَتُهُ فَتَعْرِيضُهَا لِذَلِكَ وَتَأْخِيرُ الْحُكْمِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ مُشْكِلٌ لَا سِيَّمَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُسْتَحِقِّ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَالْيَمِينُ الَّتِي عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إنَّمَا هِيَ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ. وَهَذَا أَمْرٌ حَاصِلٌ فَكَيْفَ يُؤَخَّرُ الْحَقُّ لِمِثْلِ ذَلِكَ قَالَ وَالْوَجْهُ عِنْدِي خِلَافُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْ تَأْخِيرِ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ الْآنَ بِالْبَيِّنَةِ وَيُؤْخَذُ لَهُ الدَّيْنُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُ كَفِيلٍ بِهِ حَتَّى إذَا بَلَغَ يَحْلِفُ فَهُوَ احْتِيَاطٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَا يُكَلَّفُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا حَكَمَ لَا يُهْمِلُ مَكْتُوبًا بِيَدِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ تَحْلِيفُ الْمَحْكُومِ لَهُ إذَا بَلَغَ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا حَاجَةَ إلَى الْحَيْلُولَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ الْمَأْخُوذُ.
فَإِنْ بَقِيَ الدَّيْنُ أَضْرَرْنَا بِالْمَدْيُونِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ أَضْرَرْنَا بِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إسْقَاطُ الِاسْتِظْهَارِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي أَخْذِ الْمَالِ فَإِنَّ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ إنَّمَا شُرِّعَتْ لِلِاحْتِيَاطِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْأَخْذِ بِصَدَدِ الضَّيَاعِ وَبَعْد الْأَخْذِ ثَبَتَ الْحَقُّ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا يَقْتَضِي إسْقَاطُهُ فَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمَ الْأَخْذِ وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى وَكِيلٌ غَائِبٌ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ غَائِبٍ قُضِيَ لَهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْأَخْذُ عَلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ وَتَحْلِيفِهِ وَلَك أَنْ تَقُولَ انْتِصَارًا لِلْأَوَّلِ نَظَرُكُمْ إلَى أَنَّ تَرِكَةَ الْمَدِينِ قَدْ تَضِيعُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ يُعَارِضُهُ أَنَّ تَرِكَةَ الدَّائِنِ قَدْ تَضِيعُ أَيْضًا فَإِذَا بَلَغَ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَا يَجِدُ الْمَدِينُ مَرْجِعًا فَنَظَرُكُمْ إلَى احْتِمَالِ الضَّيَاعِ فِي جَانِبِ الْمَدِينِ تُحْكَمُ بَلْ احْتِمَالُهُ مَوْجُودٌ فِيهِمَا فَبَطَلَ النَّظَرُ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَجَلِيٌّ وَقَوْلُ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَحْنُ نَعْلَمُ إلَخْ يُرَدُّ بِأَنَّ عِلْمَنَا بِذَلِكَ لَا يَمْنَعُ احْتِمَالَ نُكُولِهِ وَوُجُوبِ رَدِّ مَا أَخَذَهُ مَعَ احْتِمَالِ ضَيَاعِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَلِيِّهِ وَمِنْ غَيْرِ بَدَلٍ يُخَلِّفهُ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ أَيْضًا وَهَذَا أَمْرٌ حَاصِلٌ وَقَوْل الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إسْقَاطُ الِاسْتِظْهَارِ إلَخْ يُرَدّ بِمَنْعِ مَا ذَكَرُهُ الْمُتَفَرِّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَخْ وَوَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّ لَنَا طَرِيقَةً يَحْصُلُ بِهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَمِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَيَعُودُ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ يَمْنَعَ الْقَاضِي قَيِّمَ الْمَدِينِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَيَجْعَلَهُ فِي مَحَلٍّ لَائِقٍ بِهِ وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ بِخَتْمِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا ضَرَرَ بِتَلَفِهِ عَلَى أَحَدٍ أَمَّا الْمَدِينُ فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَفُعِلَ بِمَالِهِ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إنَّهُ سَعَى فِي إتْلَافِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ غَيْرِ خَتْمٍ لَأَصَابَهُ ذَلِكَ التَّلَفُ أَيْضًا وَأَمَّا الدَّائِنُ فَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يُحْسَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ وَقَوْلُهُ الِاحْتِيَاطُ أَنْ يُؤْخَذَ إلَخْ مَمْنُوعٌ
لِأَنَّهُ احْتِيَاطٌ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّائِنِ لَا لِلْمَدِينِ وَهُوَ تَحَكُّمٌ لِمَا قَرَّرْنَاهُ أَوْ لَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ تَلَفُ تَرِكَةِ الدَّائِن وَنُكُولِهِ عَنْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ فَيَفُوتُ الْحَقُّ عَلَى الْمَدِينِ وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي
الصفحة 383
397