كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 4)

لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَة، وَأَصْلُ ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ وَهِيَ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ هُنَا مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ تَارَةً يَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْآحَادِ بِالْآحَادِ نَحْو رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ، {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة: 19] أَكَلَ الزَّيْدَانِ الرَّغِيفَيْنِ أَيْ كُلّ وَاحِدٍ أَكَلَ رَغِيفًا وَتَارَةً يَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْكُلِّ لِكُلِّ فَرْدٍ نَحْوَ قَوْلِهِ عَزَّ قَائِلًا {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] بِخِلَافِ {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] فَإِنَّهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا ثَنَّى الْأَوَّلَ وَجَمَعَ الثَّانِيَ لِأَنَّ لِكُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ وَلِكُلِّ يَدٍ مِرْفَقًا فَصَحَّتْ الْمُقَابَلَةُ الْأُولَى مَعَ جَمْعِ الْمَرَافِقِ وَلَا يَصِحُّ جَمْعُ الْكِعَابِ لِاقْتِضَائِهَا الِاكْتِفَاءَ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ بِكَعْبٍ
فَوَجَبَتْ التَّثْنِيَةُ لِيُفْهَمَ وُجُوبُ الْكَعْبَيْنِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدًا مِنْ الْمُخَاطَبِينَ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ مِنْهَا {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ هَلْ الْمُرَادُ تَوْزِيعُ الصَّدَقَاتِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَصْنَافِ أَوْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّدَقَاتِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَصْنَافِ وَنَبْنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ بِكُلِّ صَدَقَةٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا أَوْ يَكْفِي وَضْعُهَا فِي صِنْفٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ الْفُرُوعِ الْمَذْهَبِيَّةِ ثَمَّ إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا صِيرَ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا فَهَلْ يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى الثَّانِي فِيهِ خِلَافٌ وَالرَّاجِحُ غَالِبًا تَوْزِيعُ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ كَمَا فِي مَسْأَلَتَيْ الطَّلَاقِ السَّابِقَتَيْنِ وَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ عَلَى إجَازَةِ مَنْ ذُكِرَ لِبِنْتِ الِابْنِ الَّذِي هُوَ مُحَمَّدٌ
لِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْإِعَارَةَ وَلَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا أُجْرَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَمِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ رَدُّوا كُلُّهُمْ بَطَلَ التَّعْلِيقُ وَكَذَا لَوْ رَدَّ بَعْضُهُمْ لِفَوَاتِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا وَهِيَ خِدْمَةُ أَوْلَادِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ صَحَّ تَزْوِيجُهُمَا كَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ بَلْ أَوْلَى ثُمَّ الَّذِي يُزَوِّجُهُمَا هُوَ الْوَارِثُ لَكِنْ بِإِذْنِ الْمُسْتَحِقِّ لِخِدْمَتِهِمَا لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهَا وَالتَّزَوُّجُ يُنْقِصُهَا فَإِنْ قُلْتَ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي وَسِيطِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ أَمَّا الْعَبْدُ فَيَظْهَرُ اسْتِقْلَالَ الْمُوصَى لَهُ بِهِ لِأَنَّ مَنْعَ الْعَقْدِ لِلتَّضَرُّرِ وَبِتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالِاكْتِسَابِ وَهُوَ الْمُتَضَرِّرُ قُلْتُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا عَلَى عَبْدٍ مُوصًى بِمَنَافِعِهِ أَبَدًا بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ التَّضَرُّرُ فِيهِ إلَّا حِينَئِذٍ وَأَمَّا الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَلَا يُزَوِّجُهُ بِلَا إذْنِ الْوَارِثِ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي مَنَافِعِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ التَّضَرُّرُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا التَّصْرِيحُ بِمَا ذَكَرْتُهُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةٍ مُعِينَةٍ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ لَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهَا، فَيَشْمَلُ قَوْلُهُمْ غَيْرُهَا التَّزْوِيجَ وَغَيْرَهُ وَمُؤْنَةُ الْعَبْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ بَاقٍ عَلَيْهِمَا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اسْتَفَادَا مَالًا مِنْ نَحْوِ وَصِيَّةٍ أَوْ لُقَطَةٍ كَانَ لَهُمْ وَأَوْلَادُهُمَا تَابِعُونَ لِأُمِّهِمْ رِقًّا وَحُرِّيَّةً لَا لَهُمَا وَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ فِيمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ الطَّلَاقِ الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ الْكِتَابَةِ]
(وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ هَلْ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُمَا وَإِنْ نَصّ فِي الْأُمِّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

[بَابُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُبَعَّضِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ جَارِيَتِهِ إذَا أَذِنَ فِيهِ مَالِكُ بَعْضِهِ وَهَلْ يَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَقَدْ رَأَى الْمَمْلُوكَ فِي بَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ نُفُوذَ اسْتِيلَادِهِ نَقْلًا عَنْ الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَقَرَّهُ مَعَ كَلَامٍ مُشْكِلٍ فِي آخِرِهِ هَلْ ذَلِكَ مُقَرَّرٌ

الصفحة 391