كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 4)
خِلَافُهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[بَابُ الْوَصِيَّةِ]
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ عَتِيقٌ كَذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا وَثَمَرُ أَرْضِي الْفُلَانِيُّ أَوْ اسْتِغْلَالُ أَرْضِي الْفُلَانِيُّ وَصِيَّةٌ لَهُ مَثَلًا وَإِنْ سَرَقَ أَوْ سَافَرَ مِنْ بَلَدِنَا أَوْ نَاكَرَ أَهْلَهُ مَا هِيَ لَهُ مَا حُكْمُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ قَوْلَهُ لِقِنِّهِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لَهُ فَيُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيَسْتَحِقُّ الثَّمَرَ أَوْ الْغَلَّةَ، وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ عِتْقِهِ، وَمَا وَصَّى لَهُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ وَفَّى بِهِمَا فَذَاكَ أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ قُدِّمَ عِتْقُهُ، وَبَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِكُلٍّ عَتَقَ مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ وَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، وَبَعْضُهُ لِلْوَارِثِ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى سَرَقَ أَوْ سَافَرَ أَوْ نَاكَرَ أَهْلَهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ فَهُوَ صَحِيحٌ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا إلَّا أَعْطَى وَلَدِي كَذَا فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ اسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ، وَإِلَّا فَلَا.
ثُمَّ رَأَيْت جَمْعًا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ بِالشُّرُوطِ مِنْهُمْ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ، وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ، وَتَبِعَهُمْ الْقَمُولِيُّ فَقَالَ: تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا إنْ تَزَوَّجَ بِنْتِي أَوْ إنْ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ وَتَعْلِيقُهَا بِمَرَضِهِ كَإِنْ مِتُّ فِي مَرَضِي هَذَا فَأَعْطُوا فُلَانًا كَذَا أَوْ فَسَالِمٌ حُرٌّ فَإِنْ بَرِئَ، وَمَاتَ بِغَيْرِهِ بَطَلَتْ، وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهَا عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ عَتَقَتْ عَلَى الشَّرْطِ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ، وَالنِّكَاحُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ يَمْنَعُ مِنْ إمْضَاءِ الْوَصِيَّةِ، وَنُفُوذَ الْعِتْقِ يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ فِيهِ لَكِنْ يُرْجَعُ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا، وَيَكُونُ مِيرَاثًا، وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَمْ تَسْتَحِقَّ اسْتِرْجَاعَ الْقِيمَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ أُعْطِيت الْأَلْفَ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ اُسْتُرْجِعَ مِنْهَا بِخِلَافِ الْعِتْقِ انْتَهَتْ.
وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَالشَّرْطَ، وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ التَّدْرِيبِ أَنَّهَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ دُونَ الشَّرْطِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى شَرْطٍ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا، وَبِهِ يُرَدُّ أَيْضًا مَا فِي الرَّافِعِيِّ فِي الْوَقْفِ عَنْ الْقَفَّالِ مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ أَيْضًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ مَا دَخَلَ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ بِأَدَاتِهِ كَانَ، وَإِذَا، وَالشَّرْطُ مَا جُزِمَ فِيهِ بِالْأَصْلِ، وَشُرِطَ فِيهِ أَمْرًا آخَرَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ اتَّضَحَ مَا ذَكَرْته فِي الْجَوَابِ عَنْ صُورَةِ السُّؤَالِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ، وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ إفْتَاءٌ مُسْتَنِدٌ إلَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ فِي الْهِبَةِ يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ مَا تَقَرَّرَ، وَسَيُعْلَمُ رَدُّهُ مِمَّا سَأَذْكُرُهُ، وَعِنْدَ وُجُودِ السَّرِقَةِ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا شُرِطَ عَدَمُهُ يُسْتَرْجَعُ الْمُوصَى بِهِ لَهُ مِنْهُ إنْ بَقِيَ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ مَنْ بَاعَهُ مَثَلًا فَإِنْ تَلِفَ رَجَعَ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَتِهِ فِي الْمُتَقَوِّمِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِآخَرَ بِعَيْنٍ وَقَالَ إلَّا مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ عَادَتْ لِوَارِثِي فَقَدْ ذُكِرَ فِي بَابِ الْهِبَةِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ عَقْدُ الْعُمْرَى لَا شَرْطُهَا فَفِي أَعْمَرْتُكَ هَذَا أَوْ وَهَبْتُهُ لَك أَوْ جَعَلْته لَك عُمُرَكَ فَإِذَا مِتَّ عَادَ إلَيَّ أَوْ إلَى وَارِثِي صَحَّ الْعَقْدُ لَا الشَّرْطُ فَإِذَا قَبِلَ الْمُعَمَّرُ وَقَبَضَ مِلْكَهُ، فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ فَإِذَا مَاتَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ ثُمَّ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْعُمْرَى إلَّا بِمَوْتِ الْمُعَمِّرِ كَإِذَا مِتُّ فَهُوَ لَك عُمْرَك، فَيَكُونُ وَصِيَّةً فَإِنْ زَادَ، وَإِنْ مِتُّ عَادَ إلَيَّ أَوَ إلَى وَرَثَتِي أَوْ إلَى فُلَانٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ بِالْعُمْرَى عَلَى صُورَةِ الْحَاكِمِ السَّابِقَةِ اهـ.
فَافْهَمْ قَوْلَهُمْ، فَيَكُونُ وَصِيَّةً وَقَوْلُهُمْ فَهِيَ وَصِيَّةٌ إلَخْ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَمَوْتُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا يُوجِبُ عَوْدَهَا لِوَرَثَةِ الْمُوصِي كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْعُمْرَى مِنْ فَسَادِ الشَّرْطِ فِيهَا مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ.
وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِهَذِهِ إلَّا بَلَغَ مَثَلًا وَبِمَنْفَعَتِهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَهِيَ لِوَارِثِي فَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ تَقْيِيدُ الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ بِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِذَا بَلَغَ مَلَكَهَا وَقَبْلَ الْبُلُوغِ إنَّمَا يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهَا فَقَطْ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ لِوَارِثِي بَاطِلٌ لِمَا مَرَّ نَعَمْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: مَتَى دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ اشْتَرَطَ حُصُولَ الدُّخُولِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلَا تَدْبِيرَ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ بِالشَّرْطِ، وَلُزُومِهِ؛ لِأَنَّ
الصفحة 4
397