كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة (اسم الجزء: 4)

فصرف في اليوم الثالث، وأعيد العمل إلى أبي جعفر، فامتنع من قبوله، ورفع يده عن النظر في جميع ما كان إليه، وقال: أحبّ أن يكون بين الصدر والقبر فرجة، ولا أنزل من القلنسوة «1» إلى الحفرة.
وقال في ذلك:
تركت القضاء لأهل القضاء ... وأقبلت أسمو إلى الآخرة
فإن يك فخرا جليل الثناء ... فقد نلت منه يدا فاخره
وإن كان وزرا فأبعد به ... فلا خير في إمرة وازره
فقيل له: فابذل شيئا، حتى يردّ العمل إلى ابنك أبي طالب «2» .
فقال: ما كنت لأتحمّلها حيا وميتا، وقد خدم ابني السلطان، وولّاه الأعمال، فإن استوثق خدمته، قلّده، وإن لم يرتض مذاهبه، صرفه، وهذا يفتضح ولا يخفى، وأنشدهم:
يقولون همّت بنت لقمان مرة ... بسوء، وقالت: يا أبي ما الذي يخفى
فقال لها: ما لا يكون، فأمسكت ... عليه ولم تمدد لمنكرة كفّا
وما كلّ مستور تغلّق دونه ... مصاريع أبواب ولو بلغت ألفا
بمستتر والصائن العرض سالم ... وربّتما لم يعدم الذم والقرفا
على أن أثواب البريء نقيّة ... ولا يلبث الزور المفكّك أن يطفا
قال: ولست أعلم هذا الشعر له، أو تمثّل به.
قال التنوخي، وكان أبو جعفر، يقول الشعر تأدبا، وتطرّبا، وما علمت أنّه مدح أحدا بشيء منه، وله قصيدة طرديّة مزدوجة طويلة،

الصفحة 25