وقوله: "من قرأ القرآن" أي: حقَّ قراءته كما قال تعالى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة: 121] لا مجرد إدارته على اللسان مع العمل بخلافه؛ فإنَّ هذا يستوي فيه البر والفاجر.
روى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وغيرهما عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يأخذون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل؛ قال: فتعلمنا العلم والعمل (¬1).
وبهذا فسرت الحكمة في قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269].
وقوله في رواية وكيع: "من حفظ القرآن" المراد ضبط حدوده، وحلاله وحرامه، والعمل بما فيه، وهذا حقيقة الحكمة.
وقال تعالى: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 1 - 2] فسمَّى الله تعالى القرآن حكيما لاشتماله على الحكمة المشار إليها في قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269].
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: الحكمة علم القرآن، وناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثال ذلك.
¬__________
(¬1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (29929)، والإمام أحمد في "المسند" (5/ 410).