كتاب حسن التنبه لما ورد في التشبه (اسم الجزء: 4)

فحقيقة الصديقية استكمال الإحسان، وهذا مجموعه إلا أن عماده اليقين، فهو أول العبادة وآخرها، كما قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} [الحجر: 99].
وبه كان فضل أبي بكر - رضي الله عنه - كما قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله: ما فُضِّل أبو بكر الناس بكثرة صلاة، ولا بكثرة صيام، ولكن بسِرٍّ (¬1) وقر في صدره. رواه الحكيم الترمذي في "نوادره" (¬2).
وذلك السر هو اليقين، وما [يتشعَّب] (¬3) منه من طاعات القلب، وهو شيء عزيز، وجوهر نفيس، وأَهْلُوه أفرادٌ في الناس.
روى ابن عبد البر عن معاذ - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى شَيْئاً أقلَّ مِنَ اليَقِيْنِ، وَلا قَسَّمَ بَيْنَ النَّاسِ شَيْئاً أَقَلَّ مِنَ الحِلْمِ" (¬4).
وقد ختم الله تعالى به أوصاف المتقين بقوله: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4]، ثم قال: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]؛ أي: أولئك الذين أول أحوالهم التقوى، وآخر أمرهم اليقين، على هدى من ربهم، وبصيرة من ثوابه، وأولئك هم الباقون في الخير، الدائمون في السعادة.
¬__________
(¬1) في "نوادر الأصول": "بشيء" بدل "بسر".
(¬2) رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (3/ 55).
(¬3) غير واضح في "م"، والمثبت من "ت".
(¬4) رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 125).

الصفحة 84