روى ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَجَا أَوَّلُ هَذه الأُمَّةِ بِاليقِيْنِ وَالزُّهْدِ، وَيهْلَكُ آخِرُهَا بِالبُخْلِ وَالأمَلِ" (¬1).
واعلم أنَّ أصحاب هذا المقام لا يتفاوتون في اليقين، ولذلك قال بعضهم: لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً؛ ويروى عن علي - رضي الله عنه - (¬2).
نعم، تتفاوت مقاماتهم باعتبار تفاوتهم في الصدق، فيزدادون وضوحاً في يقينهم، كما قال إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]؛ أي: بزيادة الوضوح، وإلا فإنه عليه السلام كان كامل اليقين، خالصاً عن الشك، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَنَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ"، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في "الصحيحين" (¬3)؛ [أي]: إِنَّهُ لَوْ فُرِضَ الشَّكُّ مِنْ إِبْراهِيْمَ لَكُنَّا أَحَقَّ بِهِ مِنْهُ.
وهذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - تواضع، ومبالغة في تنزيه إبراهيم عليه السلام من الشك.
ونظير ذلك ما اتفق لأبي بكر - رضي الله عنه - حين قال له رجال من المشركين:
¬__________
(¬1) رواه ابن أبي الدنيا في "قصر الأمل" (ص: 36).
(¬2) هو من قول عامر بن عبد قيس، كما جزم بذلك ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/ 400) وقال: وليس هذا من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا من قول علي - رضي الله عنه -، كما يظنه من لا علم له بالمنقولات.
(¬3) رواه البخاري (3192)، ومسلم (151).