كتاب حسن التنبه لما ورد في التشبه (اسم الجزء: 4)

{وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]، لا أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان عنده شك، كلا، بدليل تصديقه أول وهلة، والله أعلم. انتهى (¬1).
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإحسان: "فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" (¬2) إشارة إلى أول مقام الإحسان وأدناه، وهو مقام الأبرار" أي: فإن لم تكن كمن يراه سبحانه فتكون صديقاً، فكن عالمًا بأنه يراك ويراقبك، فتكون باراً؛ {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} [البقرة: 265].
فإن قلت: فإذا تقرر أنَّ مقام الصديقية فوق مقام البر، فهل يكون هذا مخالفاً لما رواه الإمام أحمد، والبخاري في "الأدب"، ومسلم في "الصحيح"، والترمذي عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلى الجَنَّةِ، وَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا" (¬3)؟ !
قلت: لا مخالفة فيما ذكرناه للحديث أصلاً؛ فإنَّ البر لا يتم إلا بالصدق فيه -كما تقدمت الإشارة إليه في كلامنا آنفاً- بل الصدق طريق الهداية إلى البر -كما في الحديث- فالصدق بداية البر، والبر بداية الصديقية، وكأن البار بمعنى الصادق، والصديق أبلغ منه صدقاً وبراً.
¬__________
(¬1) انظر: "الرياض النضرة في مناقب العشرة" للمحب الطبري (1/ 405).
(¬2) تقدم تخريجه.
(¬3) رواه الإمام أحمد في "المسند" (1/ 384)، والبخاري في "الأدب المفرد" (386)، ومسلم (2607)، والترمذي (1971).

الصفحة 87