وهذا الحديث على وزان قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} [البقرة: 177]، إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]؛ أي: أولئك الذين صدقوا فأدى بهم الصدق إلى هذا البر الموصوف.
فمن جاء بهذه الأوصاف المذكورة في هذه الآية فهو بار وصادق، ولا يكون صديقا حتى يستقيم عليها، وعلى الصدق فيها، وتكون تلك غاية مستمرة له.
كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَى يُكتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا".
وقلت في معنى الحديث بطرفيه:
ما يَزالُ الْعَبْدُ يَصْدُقُ فِيْ كُلِّ شَيْءٍ يَتَحَرَّاهُ
أَبَدَ الدَّهْرِ فَيَكْتُبَهُ اللهُ صِدِّيْقًا وَيرْضاهُ
وَيدُوْمُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ فِيْ كُلِّ أَمْرٍ يَتَوَخَّاهُ
هَكَذَا أَيْضا فَيَكْتُبَهُ اللهُ كَذَّابًا وَيقْلاهُ
وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]، يؤخذ منه أن البار هو المتقي؛ فإن ترقى في التقوى إلى غاياتها بحيث استقام قلبه عليها حتى صار معدنا لها كان صديقاً.