كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

أهداهُ أن يُؤْخَذَ من كُلِّ جزورِ بَضْعَةٌ، فطُبختْ، ثم أكلَ من لحمِها، وحسا من مَرَقِها (¬1).
فأما الأكلُ، فحملَهُ جمهورُ أهلِ العلمِ على الاستحبابِ (¬2)، وحكي عن بعضِ السَّلَفِ أنهُ واجبٌ (¬3) الأَكْلُ منها حَمْلًا للأمرِ على حقيقتِه، واقتداءَ بفعلهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬4)، والحِكْمَةُ فيه مُخالَفَةُ الجاهِلِيَّةِ في تَحَرُّجِهِم من أكلِ ذبائِحِهم، وبهذا قالَ أبو الطيبِ بنُ سلمةَ من الشافعيةِ (¬5).
وأما الإطعامُ، فحمله ابنُ سريج من الشافعيةِ على الاستحبابِ، والصحيحُ عندَهم إطلاقُ الوُجوب، فيجبُ أن يتصدقَ بما يقعُ عليهِ اسمُ الصدقة (¬6).
واختلفَ قولُ الشافعيِّ في القَدْرِ المُسْتَحَبِّ؛ لإطلاقِه في الكتاب والسُّنَةِ، فقالَ في أَحَدِ القولين: يتصدقُ بالنصفِ؛ استئناساً بقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28].
[وقال في الآخر: يتصدق بالثلثين (¬7)، استئناسًا بقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (¬8) [الحج: 36]، وهذا في هَدْيِ التَّطَوُّعِ، وأما
¬__________
(¬1) رواه ابن أبي حاتم عن جابر بنحوه كما في "الدر المنثور" للسيوطي (6/ 39).
(¬2) انظر: "الاستذكار" (5/ 233 - 234).
(¬3) "أوجب" ليس في "أ".
(¬4) انظر: "المحلى" لابن حزم (7/ 270).
(¬5) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (15/ 117).
(¬6) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (15/ 68)، و "المجموع" للنووي (8/ 306)، و "مغني المحتاج" للشربيني (4/ 291).
(¬7) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (15/ 116 - 117)، و"المجموع" للنووي (8/ 306)، و"مغني المحتاج" للشربيني (4/ 290).
(¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ب".

الصفحة 22