كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

وترتيبُ قضاءِ التفثِ على الذبحِ يحتملُ أن يكونَ للاستحبابِ، ويحتملُ أن يكونَ للوجوبِ.
قال مالكٌ: الأمرُ الذي لا اختلافَ فيه عندَنا أن أَحَداً لا يَحْلِقُ رأسَهُ، ولا يأخذُ من شَعْرِهِ حتى ينحرَ هَدْياً إن كانَ معهُ، ولا يحلُّ من شيءٍ حَرُمَ عليهِ حتى (¬1) يَحِلَّ بمنًى يومَ النَّحْرِ، وذلكَ أنَّ اللهَ تبَارك وتَعالى قال: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬2) [البقرة: 196]، وقَد قَدَّمْتُ الكلامَ على هذا في "سورة البقرة" عند هذه الآية (¬3).
الجملة السابعة: أَمَرَهُمُ اللهُ تعالى بإيفاءِ النُّذورِ، والأَمْرُ فيهِ للوجوبِ.
وعلى وُجوبِ الوفاءِ بالنذرِ أجمعَ المُسلمونَ (¬4)، وبوَفائه مدَحِ اللهُ سبحانَه عبادَه الصالحينَ، فقال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7]، وذمَّ على ترْكِهِ المنافقينَ، فقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ} [التوبة: 75] الآيات.
وذِكْرُ اللهِ سبحانَهُ لَهُ بلفظ الجَمْعِ:
يحتملُ أن يكونَ تَعْظيماً لشأنه، ولهذا قالَتْ عائشةُ -رضيَ اللهُ تعالى عنها-: إن النذرَ شَأْنُهُ عظيمٌ.
ويحتملُ أن يكونَ لكثرةِ أنواعِه وأقسامِه، فإنه ينقسمُ إلى مُطْلَقٍ وإلى مُعَلَّقٍ، فالمُطْلَق هو الخارِجُ مخرجَ الخَبَرِ ينقسمُ إلى مُصَرَّحٍ فيه بالمَنْذورِ، وإلى غيره.
¬__________
(¬1) "حتى" ليست في "أ".
(¬2) انظر: "الموطأ" للإمام مالك (1/ 395).
(¬3) "عند هذه الآية" ليس في "أ".
(¬4) انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص 110).

الصفحة 24