كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

بينَهُما. حتى قالَ قومٌ: طَرَآنُ الزنى يَفْسَخُ النكاحَ (¬1).
والأخذُ بظاهرِ الآيةِ ضعيفٌ؛ للإجماعِ على أنه لا يجوزُ للمسلمةِ الزانيةِ أن تنكحَ مُشْرِكاً، وأنه لا يجوزُ للزاني المسلمِ أن ينكحَ مشركةً غيرَ كتابية، ولِما رُوي: أن رجلاً قال: يا رسولَ الله! إن زوجتي لا تَرُدُّ يدَ لامِسٍ، فقال لهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "طَلِّقْها"، فقال له: إني أريدُها، فقالَ له: "فَأَمْسِكْها" (¬2).
ثم اختلفَ الآخرونَ:
فمنهُم مَنِ ادَّعى أنها منسوخةٌ (¬3) بقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32]، فدخلَتِ الزانيةُ في أيامى المُسلِمين.
وبه قالَ سعيدُ بنُ المُسَيِّبِ، واختارَهُ الشافعيُّ، قال: أنا سُفيانُ، عن يحيى بنِ سعيدِ، عن سعيد بنِ المسيِّبِ: أنه قالَ في قول الله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3]: إنها منسوخةٌ، نسخَها قولُ اللهِ عَر وجَل: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32]، فهي من أيامى المسلمين.
ثم قال: والذي يشبه -والله أعلم- ما قالَ ابنُ المسيِّبِ (¬4).
وهذا القولُ ضعيفٌ جِدًّا لوجهينِ:
¬__________
(¬1) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (8/ 2524).
(¬2) رواه النسائي (3465)، كتاب: الطلاق، باب: الظهار، والإمام الشافعي في "مسنده" (2891)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 154)، والخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي والسامع" (2/ 296)، عن ابن عباس.
(¬3) انظر: "المصفى بأكف أهل الرسوخ" (ص: 45)، و"ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" (ص: 42)، و"قلائد المرجان" (ص: 133).
(¬4) رواه الإِمام الشافعي في "الأم" (5/ 148)، وفي "مسنده" (273)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 154) من طريق الشافعي، به.

الصفحة 46