كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)
وذهبَ قومٌ إلى أَنَّ قاذفَ الأَمَة والكافرةِ غيرُ مَجْلودِ، وبهِ قالَ مالكٌ، وخَصَّصوا الإحصانَ بالعِفَّة (¬1).
واستدلَّ الجُمهورُ بما رُوي عنِ ابنِ عُمَرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ أَشْرَكَ باللهِ، فَلَيْسَ بمُحْصَنٍ" (¬2)، وبأن العبدَ إذا قذفَ المُحْصَنَ لا يَجِبُ عليهِ الحَدُّ كامِلاً؛ لنقَصانهِ، فوجبَ أن يسقطَ الحَدُّ عن قاذفِه؛ كقاذف الصبيِّ.
فإن قلتم: فهل نجدُ في القرآنِ دليلاً على أنهما غيرُ مراديْنِ؟
قلت: نعمِ، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}، فوَصَفَهُنَّ بثلاثةِ أوصافٍ: الإيمانِ، والغَفْلَةِ عن الفاحِشَةِ، والإحْصانِ الذي هو الحريةُ، فإطلاقهُ هنا محمولٌ على هذا التقييد.
* واتفقوا - فيما أَحْسِبُ - على اشتراطِ بُلوغِ المُحْصَنِ؛ لنقصانِ الصبيِّ (¬3)، لكن اعتبرَ مالكٌ في سِنِّ المرأة أن تطيق الوطْءَ (¬4).
* وأوجبَ اللهُ سبحانَه هذهِ العُقوبَةَ على كُلِّ مَنْ يَصْلُحُ للخِطاب،
¬__________
(¬1) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 330).
(¬2) رواه الدارقطني في "سننه" (3/ 147)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 216)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (28/ 265).
(¬3) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (13/ 255)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 371)، و"المغني" لابن قدامة (9/ 76)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (3/ 353)، و"الهداية" للمرغيناني (2/ 112)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 40).
(¬4) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 330)، و"مواهب الجليل" للحطاب (6/ 298).
الصفحة 50