كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

"لَوْلا ما مَضى من كتابِ اللهِ، لَكان لي ولَها شأنٌ" (¬1)، فهل يرى أن هذا الشأنَ الذي أشارَ إليهِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَنوَّهَ بهِ هوَ الحبسُ؟ كَلاً بل هو أمرٌ فوقَهُ وأكبرُ منه.
* وسَنَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مع كتابِ اللهِ تَعالى الفُرْقَةَ بينَ المُتَلاعِنَيْنِ، فقالَ للزوجِ: "لا سَبيلَ لكَ عليها" (¬2).
وقد اختلَفَ أهلُ العلمِ في حقيقةِ تفريقِه - صلى الله عليه وسلم -.
فقالَ أبو حنيفةَ: هو بطريقِ الحُكْمِ منُه - صلى الله عليه وسلم -، فلم تقعِ الفرقةُ إلا بحُكْمِهِ وأمرِه، فكذلكَ لا تقعُ الفرقةُ بعدَهُ إلا بحُكْمِ حاكِمٍ (¬3).
وقال مالكٌ والشافعيُّ: هو شَرْعٌ، وليسَ بحكمٍ، فتقعُ الفرقةُ بنفسِ اللِّعانِ، ثم قالَ مالكٌ: تقعُ بعدَ الفَراغِ من لِعانِها؛ لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يفرقْ بينَهما إلا بعدَ تمامِ اللِّعانِ، وقالَ الشافعيُّ: بعدَ الفراغِ من لِعانِ الزوجِ؛ لأنَّ لعانَها لدرءِ العذابِ عَنْها (¬4).
* وقد بينَ اللهُ سبحانه اللِّعانَ، وأتم ترتيبَه وبيانَه، ولهذا لم ينقلْ في شيءٍ من رواياتِ الحديثِ لفظٌ لاعَنَ بهِ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بين المُتلاعنين، وإنَّما وردَ: فأمرَهُما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالمُلاعَنَةِ بما سَمَّى اللهُ في كتابِه، فلو بدأتِ
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه من حديث ابن عباس في قصة هلال بن أمية.
(¬2) تقدم تخريجه من حديث ابن عباس في قصة هلال بن أمية.
(¬3) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (5/ 150)، و"الهداية" للمرغيناني (2/ 42)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (3/ 244).
(¬4) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 97)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 90 - 91)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 193)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (8/ 159).
وعن الإمام أحمد روايتان، انظر: "المغني" لابن قدامة (8/ 52).

الصفحة 63