كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

تستأذِنوا (¬1)، فخطأٌ مَحْضٌ؛ لإجماع الأمةِ على حفظِ كتاب اللهِ جَلَّ ثنَاؤهُ من الخَطَأ؛ كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وكما قال: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42]، ومعاذَ اللهِ سبحانَهُ أن يصح هذا عن الحبْرِ الترجُمانِ.
وقال قومٌ: يقدمُ السلامَ، فيقولُ: السلامُ عليكُم، أَأَدْخُلُ (¬2)؟ فقال بعضُ هؤلاءِ: معنى يستأنسوا: أي: يطلُبوا الاستئناسَ بالتَّنَحْنُحِ أو التسبيحِ أو التكبيرِ حَتَّى تنظُروا هلْ في الدارِ أحدٌ يأذنُ لكم؟ مُقْتَصٌّ هذا من قولِ الله تعالى: {آنَسْتُ نَارًا} [طه: 10].
وقال بعضُهم: في الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ، أي: حَتَّى تسُلِّموا وتستأذنوا، واستدلُوا بما روى أبو داودَ في "سننه" عن رِبْعِيِّ بنِ حِراشٍ قال: حدثنا رجلٌ من بني عامرٍ استأذَنَ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو في بيتٍ، فقال: أَأَلِجُ؟ فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لخادمِه: "اخْرُجْ إلى هذا فَعَلِّمْهُ الاسْتِئْذانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلْ: السَّلامُ عليكُمُ، أَأَدخلُ؟ "، فسمع الرجلُ، فقال: السلامُ عليكمُ، أأدخلُ؟ فأذنَ لهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فدخل (¬3)، قال النوويُّ: وإسنادُهُ جيدٌ (¬4).
واستدلُّوا أيضًا بما خَرَّجَ أبو داودَ والترمذيُّ عن كَلَدَةَ بنِ حَنْبَلٍ: أَنَّ
¬__________
(¬1) رواه الحاكم في "المستدرك" (3496)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (8853)، وانظر: "الدر المنثور" للسيوطي (6/ 171).
(¬2) واختاره المازري من الشافعية، كما في "فتح الباري" لابن حجر (11/ 27)، وانظر: "كشاف القناع" للبهوتي (2/ 159)، و"جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص 567).
(¬3) رواه أبو داود (5177)، كتاب: الأدب، باب: كيف الاستئذان؟ وابن أبي شيبة في "المصنف" (25672)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 340).
(¬4) في المطبوع من "رياض الصالحين" (ص: 224) قال النووي: "رواه أبو داود بإسناد صحيح".

الصفحة 68