كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

* ثم أمرَ اللهُ سبحانَهُ وتَعالى الساداتِ بِمُكاتَبَةِ مَماليكِهِم إذا ابْتَغَوْها، وعلِموا فيهم خيراً، وقد اشتملَ أمرُ اللهِ تَعالى فيه على ثلاثةِ أحكامٍ:
الحكم الأول: أمرُ اللهِ تَعالى بالكِتابة: من أهلِ العلمِ مَنْ أطلقَه على الوُجوبِ والحَتْمِ، وهو قولُ عَطاءٍ (¬1)، وأبي حنيفةَ، وبعضِ المالكيةِ (¬2)، وحَمَلهُ الجُمهورِ على النَدْب (¬3)؛ لأنَّه لا يجبُ على السيِّدِ أن يعتقَ مملوكَه، ولا أن يبيعَهُ، والكتابةُ عِتْقٌ أَو بَيْعٌ، وإلى هذا ذهبَ مالكٌ والشافعيُّ (¬4).
الحكم الثاني: الخيرُ لفظٌ مشتركٌ يقع على الخِيار، قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، وقال تعالى: {أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7].
ويقع على المال، قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180]، وقال اللهُ تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8].
ويقع على الصَّلاح، قال اللهُ تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ
¬__________
(¬1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 381)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 245).
(¬2) الذي قال بالوجوب أهل الظاهر وعطاء، انظر: "المحلى" لابن حزم (9/ 222)، وانظر: "الهداية" للمرغيناني (3/ 253)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (4/ 134)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 280)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 379)، و"مواهب الجليل" للحطاب (6/ 344).
(¬3) انظر: "المغني" لابن قدامة (10/ 333)، و"كشاف القناع" للبهوتي (4/ 509)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (18/ 140)، و"المهذب" للشيرازي (2/ 9)، و"مغني المحتاج" للشربيني (4/ 516).
(¬4) انظر: "مواهب الجليل" للحطاب (3/ 369)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (18/ 141، 142).

الصفحة 88