نعمْ أنكرَ بعضُهم كتابةَ التي لا حِرْفَةَ لَها، ولا كَسْبَ؛ خشيةَ المَسْأَلةِ، وهذا استِحْسانٌ مردودٌ بإقرارِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِكِتابة بَرِيْرَةَ، وقد أَتَتْ عائشةَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنها - تسألُها المُعاونةَ في كتابَتِها (¬1).
الحكم الثالث: أمرَ اللهُ سبحانه بإيتائهم من مالِ اللهِ.
فقالَ طائفةٌ من أهلِ العلم بإطلاقِهِ للوجوب، ثم اختلفوا:
فقال بعضُهم: يتقدَّرُ بالربع، ويروى عَنْ عَلِيٍّ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه - (¬2).
وقالَ بعضُهم: لا يتقدَّرُ، بلِ الواجبُ أَقَلُّ مالٍ (¬3)، وهو الظاهِرُ من إطْلاقِ الخطاب.
وقالَتْ طائفةٌ: لا يجبُ على الساداتِ للمكاتَبِ شَيْءٌ، فمنْ هؤلاءِ من حملَ الأمرَ على الاستحبابِ، ومنهم مَنْ جعلَ الخِطابَ لِذَوي الأموالِ غيرِ السادات، وحملَ الأمرَ على الوجُوب في إيتائهم من الصدقاتِ (¬4).
وهذا التأويلُ بعيدٌ؛ لأن الصحابةَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهم -، وهم أعرفُ بموارِدِ التأويلُ وَضَعوا عنِ المكاتَبِ، فكاتَبَ ابنُ عمرَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما - عَبْداً بخمسةٍ وثلاثين ألفاً، ووضعَ عنهُ خمسةَ آلاف (¬5)، ووَضَع عمرُ
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه.
(¬2) انظر: "تفسير الطبري" (18/ 131)، و"أحكام القرآن" للجصاص (5/ 182).
(¬3) هو قول الشافعي، وقد استحسنه سفيان الثوري، انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12/ 252).
(¬4) نُقل ذلك عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي وغيرهما، انظر: "تفسير الطبري" (18/ 131).
(¬5) رواه الإمام الشافعي في "الأم" (8/ 33)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 330).