كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 4)
وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا، فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ، فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلُ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: نَخَافُ عَلَيْهِ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَا بَأْسَ. فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، وَوَلَجْنَا عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللهِ، قَدْ كَانَ لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، وَقِدَمِ الإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتَ، فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي، فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلَامَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، ارْفَعْ ثَوْبَكَ فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ، يَا عَبْدَ اللهِ انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ، فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا، فَقَالَ: إِنْ وَفَى مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِلَاّ فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِأَمْوَالِهِمْ، فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، فَقُلْ لَهَا: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلَامَ، وَلَا تَقُلْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَمِيرٍ،
فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَسَلَّمَ عَبْدُ اللهِ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ، فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: قد كُنْتُ أَرَدْتُهُ لِنَفْسِي، وَلأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَجَاءَ فَلَمَّا أَقْبَلَ، قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ جَاءَ، فَقَالَ: ارْفَعَانِي، فَأَسْنَدَهُ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا قَالَتْ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ أَذِنَتْ لَكَ، قَالَ: الْحَمْدُ للهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمُضْطَجَعِ، فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَسَلِّمْ، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ جَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ يَسْتُرْنَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا، قُمْنَا، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ فَوَلِجَتْ دَاخِلاً، ثُمَّ سَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ. فَقِيلَ لَهُ: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ، قَالَ: مَا أَرَى أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًّا، وَطَلْحَةَ، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ،
الصفحة 180