كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

ورسخ في فهم لسان العرب، أن يدرك هذه الأصول بنفسه؛ كما أدركها الأئمة الذين نهضوا بالاجتهاد قبل أن يدون علم الأصول، ولكن الوصول إلى مسائل الأصول، وهي مدونة، أسهل على الطالب من أن يبذل جهده في استقرائها، ويرسل فكره في اقتناصها، باحثاً عنها في أبواب متفرقة، وموارد متشعبة، وعلى أي حال كان طالب الاجتهاد في الأحكام، لا يستقيم له هذا المنصب إلا أن ينظر في الأصول نظر الباحث المستقل، بحيث لا يبني في الاستنباط على الاستصحاب أو سد الذرائع - مثلاً -, ولا يقرر الحكم اعتماداً على عمل أهل المدينة، أو مذهب الصحابي، متابعة لمن يقول بحجيتها، فالاجتهاد في الأصول بمنزلة الأساس للاجتهاد في الأحكام، فلا يدخل في قبيل المجتهد المطلق من يبني في تقرير الأحكام على أصول قررها إمامه، وتلقاها منه بتقليد.
فالحق جمع من لم يرض لمدعي الاجتهاد إلا أن يرسخ في أصول الفقه، ويبحث مسائله بنظر قائم بنفسه، حتى لا يعتمد في الاستنباط إلا على أصل رأى كيف تشهد به البينة، وتقوم عليه الحجَّة.
* في الفقه:
يظهر في بادئ الرأي أن ليس من شروط الاجتهاد المطلق معرفة الأحكام التي استنبطها الفقهاء من دلائل الشريعة، ذلك لأنها صادرة عن اجتهاد، فيجب أن يكون الاجتهاد متقدماً عليها في الوجود، فهو مستقل عنها، وجائز أن يتحقق بدونها، ولو قدرنا ناشئاً درس علوم اللغة حتى أصبح في ذوقه وفهمه لدقائق العربية كالعربي الخالص، ثم أقبل على التفقه في الكتاب والسنّة حتى عرف مقاصد الشريعة، لأمكنه استنباط الأحكام من دلائلها

الصفحة 13