كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

وسنسوق في مقام آخر الأدلة على أن القياس أصل من أصول الشريعة الغراء.
* العدالة والاستقامة:
ليست العدالة شرطاً لتحقق وصف الاجتهاد في نفسه، وإنما هي شرط في قبول فتوى المجتهد, إذ الفتوى من قبيل الإخبار، والنفس لا تركن إلى خبر الفاسق، ومن يعمل سوءاً، يسهل عليه أن يقول زوراً، والتقوى هي التي تحمل المجتهد على التروي في تفصيل الحكم، فلا يلفظ بالفتوى إلا بعد النظر في الواقعة، وما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد، ثم يعود إلى قواعد الشريعة، فيفصل لها حكماً يطابقها.
قال مالك بن أنس: "ربما وردت عليَّ المسألة، فتمنعني من الطعام والشراب والنوم"، فقيل له: يا أبا عبد الله! والله! ما كلامك عند الناس إلا نقر في حجر، ما تقول شيئاً إلا تلقّوه منك. قال: "فمن أحق أن يكون هكذا إلا من كان هكذا؟! ". وقال: "ربما وردت عليَّ المسألة، فأفكر فيها ليالي". وكان إذا سئل عن المسألة يقول للسائل: "انصرف حتى أنظر فيها"، فينصرف السائل، ويجعل مالك يردد النظر في المسألة، فقيل له في ذلك، فقال: "إني أخاف أن يكون لي من المسائل يوم وأيُّ يوم! "
وكذلك كان السلف من الصحابة والتابعين، يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكون غيره قد كفاه أمرها، حتى إذا رآها قد تعينت عليه، بذل جهده في تعرُّف حكمها، ثم أفتى.

الصفحة 16