كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

وقد يطرأ على المال الذي اعتمد عليه في قضاء الدين ما يذهب به جملة، فتضيق عن هذا المدين المسالك، ويجره الدائن إلى مجلس القضاء، وهنالك تخيِّم الذلّة على وجهه في النهار، وتتوارد الهموم على قلبه بالليل. قال عياض بن عبد الله: "الدَّين راية الله في أرضه، فإذا أراد أن يُذلّ عبداً، جعلها طوقاً في عنقه".
أتكسب خمساً وتنفق ستاً ... ضللت لعمري سبيل الأديب
هو الدَّيْن إن جئته فترقَّبْ ... نهار الذليل وليلَ الكئيب
وطعمُ الهوان وإن لم أذقه ... أمرُّ من الموت قبل المشيب
ولا ينسى الآخذ بالدين أنه إذا لم يجد مالاً يقضي به الدين عند استحقاقه، فقد ينشأ بينه وبين الدائن مجافاة أو عداوة، فيكون الدين سبباً لذهاب ألفة تفوت بذهابها فوائد، أو لحدوث عداوة تجر وراءها مصائب، وكرامُ الناس يحرصون على أن لا يحدث بينهم وبين من يعرفون جفاء أو عداوة.
وليذكر من يريد الأخذ بالدين: أن من التجار من لا يبيع البضاعة بالدين إلا بربح زائد على الربح المعتاد في بيعها نقداً، فيكون دفع المدين لهذا الربح الزائد، وهو يستطيع تأخير الشراء إلى وقت اليسر، منافياً لقواعد الاقتصاد.
وليذكر من يريد الأخذ بالدين: أن الدين قد يحل أجله، ولا يستطيع قضاءه، فيباع عليه بعض ما يملك، أو كل ما يملك بثمن بخس، ولولا الدين، لأمكنه بيع عقاره أو عروضه بثمن لا غبن فيه.
وقد يأخذ الإنسان بالدين ممن يتعاطى الربا، حتى إذا حلّ أجلُ الدين، وعجز عن أدائه، مدّ له في الأجل على أن يضيف إلى الدين زيادة المرابين،

الصفحة 266