كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

وكثيراً ما يزداد المدين بمضاعفة الربا عسراً على عسر، وإن كان يملك عقاراً أو عروضاً، خرج من ملكه بالثمن البخس، وكم من أسرة كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفر عميدها بأنعم الله، وتعاطى الأخذ بالدين، فجر نفسه وأسرته إلى أزمة، ثم إلى فقر! وتلك عقبى الساقط مع شهواته أينما سقطت.
يا غامساً يده في الدَّيْنِ إنك قدَّ ... غمستها في صديد خلته عسلا
والدَيْنُ للمال سم ناقع فإذا ... ما اندسّ في ثروةٍ أولى بها عجلا
والحق: أن لأموال الناس حرمة، فلا يسوغ لأحد أن يأخذها على وجه الدين إلا أن تدفعه إلى ذلك حاجة قاهرة، ويأنس من نفسه القدرة على أداء الدين عند استحقاقه، فالذي يقول:
له ألفٌ عليَّ ونصفُ ألفٍ ... ونصفُ الألفِ في صكِّ قديمٍ
دراهم ما انتفعت بها ولكن ... وصلت بها شيوخ بني تميم
لا يعد في المحسنين صنعاً إلا حيث يكون واثقاً من قدرته على قضاء هذا الدين عند حلول أجله، والذي يقول:
يعاتبني في الدِّيْنِ قومي وإنما ... ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
هو أهل لأن يعاتب، إلا حيث يستدين وهو على ثقة من أنه سيؤدي هذه الديون لأربابها عند اقتضائها، وإذا كانت الاستدانة من الأمور التي لا يليق بالإنسان ارتكابها إلا في حالة عسرة لا يجد منها مخرجًا، فمن المستهجن أن يكون المدين قادراً على أداء الدين، ولا يبادر إلى أدائه، وذلك هو المُطْل الذي سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالظلم، فقال: "مُطْل الغني ظلم".

الصفحة 267