كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

وفي المماطلة مفاسد شتى؛ إذ هي مظهر من مظاهر إخلاف الوعد، وشاهد على أن هذا المدين لا يحيى الذلة التي يوقعه فيها الدين، ومن آثارها السيئة: أنها تحرم الرجل أن يعامله الناس بالدين عند الحاجة.
وقف أعرابي على باب قوم يسألهم، فحلفوا له ما عندهم شيء، فقال: استقرضوا لنا شيئاً، فقالوا: ما يقرضنا أحد شيئاً، فقال: ذلك لأنكم تأخذون ولا تقضون.
المدين الذي لم يرسخ قدمه في الفضل يماطل بالدين، وفي وسعه أن يؤديه، والمدين الذي أخذ حظه من الفضل كاملاً يذكر أن الدائن قد وثق بذمته، وأسعفه عند الحاجة، فيبادر إلى قضاء الدين ما استطاع، وقد تدعوه سماحة نفسه أن يقضي الدين بأحسن مما أخذ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن خياركم أحسنكم قضاء".
ذلك شيء من أدب المدين.
ومن أدب الدائن: أن يقول عند طلب الدين قولاً ليناً، ولا يهدم معروفه بالغليظ من القول، وإذا وجد المدينَ مَعسراً، مد له في الأجل ما استطاع، قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وإن وجد الدائن في نفسه فضلَ سماحة وغنى، فتنازل للمدين المعسر عن الدين، أو جانب منه، فذلك ما سماه الله خيراً، فقال: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280].
وإذا كان من سماحة نفس الدائن أن يأخذ عند اقتضاء الدين طريقة الرفق، ولا يهدم معروفه بالغليظ من القول، فإن سماحة نفس المدين أن يرعى الجميل الذي أسداه إليه الدائن، ويقابل بعض كلماته النابية بشيء

الصفحة 268