كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

المانع من اللهم، فقد قلَّ فقهه وفهمه.
فالقياس أصل في الشريعة أصيل، وإذا تعرض له نفر بعقول غير راجحة، أو بقلوب غير عامرة بالتقوى، فابتغوه وسيلة إلى أحكام تتبرأ منها الشريعة، فقد بليت النصوص - وهي حقائق كالصبح إذا أسفر - بامثال هؤلاء، فخرجوا بها عن مقتضى الحكمة والبلاغة، وجاؤوا في تأويلها بما يشاكل عقولهم، ويرضي شهواتهم.
قال الإِمام الشافعي - رضي الله عنه -: "ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالماً بما مضى قبله من السنن, وأقاويل السلف، وإجماع الناس واختلافهم، ولسان العرب، ويكون صحيح العقل، حتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول، ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه؛ لأن له في ذلك تنبيهاً على غفلة ربما كانت منه، أو تنبيهاً على فضل ما اعتقد من الصواب".
* الاستصحاب:
يجد الإنسان في نفسه أنه إذا تحقق عدم شيء أو وجوده، كان على ظن من استمرار ذلك الشيء على ما تحقق فيه من عدم أو وجود، ويبني على ذلك الظن أعمالاً ليس من شأنه أن يفعلها في حال ما إذا كان في شك من استمرار الشيء على العلم أو الوجود، فإذا ناقش أحد في مراسلة الشخص ممن عرف وجوده، وزعم أن مثل هذه المراسلة يكفي فيها أن يكون على شك من استمرار وجوده، فإنه لا يستطيع أن يناقش في أن من اشترى حيواناً غائبًا - مثلاً - كان قد رآه من قبل، ودفع ثمنه، أنه اعتمد على ظن استمرار حياته، ولا يستطيع أن يناقش في أن من اقتحم بصبيته مفازة مغبرَّة الأرجاء، دون أن يحمل معه ماءً كافياً، إنما اعتمد على ظنّه بقاء ما عرفه فيها من آبار

الصفحة 36