كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

الاستصحاب: ثبوت أمر في الزمن الحاضر بناء على ثبوته فيما مضى، فالأمر الذي علم وجوده، ثم طرأ الشك في عدمه، فالأصل بقاؤه، والأمر الذي علم عدمه، ثم عرض الشك في وجوده، فالأصل استمراره في حال العلم، فمن تزوج فتاة على أنها بكر، ثم ادعى بعد البناء بها أنه وجدها ثيبًا، لم تقبل دعواه إلَّا ببينة؛ لأن حال البكارة ثابت من حين نشأتها، فيستصحب إلى حين البناء حتى تقوم على عدمه البينة. ومن اشترى طائراً أو كلباً على أنه يحسن الصيادة، وادعى بعدُ أنه وجده غير متعلم لها، سُمعت دعواه هذه، إلا أن تدفع ببينة؛ لأن حال الحيوان في الأصل عدم معرفة الصيادة حتى يعلَّمها، فإذا وقع فيها تردد، استصحب الأصل حتى يقوم الشاهد على ثبوتها.
والاستصحاب كسائر الأصول التي يستخلصها المجتهد من استقراء جزئيات كثيرة من موارد الشريعة، ويرجع بمقتضى ما ذكره علماء الأصول إلى أربعة أقسام:
أحدها: استصحاب ما هو حكم الأشياء في الأصل حتى يقوم الدليل على ما يخالفه، وبيان هذا: أن كثيراً من أئمة الشريعة ذهبوا إلى أن الأشياء في الأصل خالية من الحكم؛ أي: أنها لا توصف بشيء من الأحكام الشرعية من الوجوب والحرمة، والندب والكراهة والإباحة، ومقتضى هذا: رفع الحرج والإثم عن الفعل والترك، ورجَّح فريق أنها على الإباحة. ومآل القولين واحد، فإن الحرج في الفعل والترك مرفوع على كلا المذهبين، وإنما يمتاز مذهب الإباحة بأنه صريح في التخيير، أما مذهب انتفاء الأحكام، فغايته رفع الحرج، ورفع الحرج لا يستلزم التخيير في الأمر، لاحتمال أن يكون مكروهاً.

الصفحة 38