كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

ورأى آخرون أنها على المنع. وأدلة هذه المذاهب مبسوطة كما ذكرنا في كتب الأصول.
وتظهر فائدة الخلاف في الأشياء التي لا يجد المجتهد على حكمها من دليل.
أو الأشياء التي تتعارض عندها الأدلة، ولا يبدو له في جانب أحدها وجه من الترجيح.
فهذه الأشياء يرجع بها كل فريق من أصحاب هذه المذاهب إلى استصحاب ما يراه أصلًا للأشياء، فهذا يستصحب فيها انتفاء الحكم، فتلحق بما لا حرج فيه، وذاك يستصحب فيها الإباحة، فتكون من قبيل المخير في فعله وتركه، والآخر يستصحب فيها المنع، فتدخل فيما لا يجوز الإقدام عليه.
وقد يسبق إلى ظنك أن القول بانتفاء الأحكام واستصحاب هذا الانتفاء فيما لا يطلع له المجتهد على حكم، يجعل بعض الأفعال خالية من أحكام الشريعة، فيدفع هذا الظن بأن المجتهد يصل به الدليل المعتدّ به في نظر الشارع إلى أن ما لا يجد له حكماً في نص أو قياس، يستصحب الأصل الذي هو انتفاء الأحكام الخمسة المقتضي رفع الحرج، فيرجع إلى أن حكم الشارع فيه رفع الحرج في الفعل والترك.
هذا: وقد اختار كثير من المحققين أن الأصل في الأشياء الإباحة، فهي على التخيير حتى ينهض الدليل على ما سواه من كراهة أو حرمة، أو ندب أو وجوب، فإذا عرض لهؤلاء، أو للقائلين بأن الأصل انتفاء الأحكام أمر، اجتهدوا في تعرف حكمه من الأدلة السمعية أو القياس، فإن لم يظفروا

الصفحة 39