كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

به هنالك، استصحب الأولون فيه الإباحة، واستصحب الآخرون رفع الحرج والإثم. ومقتضى هذا الأصل أن كل ما يوجد في هذا الكون من جماد أو نبات أو حيوان، ولم يرد في الشرع ما يقتضي النهي عن تناوله واستعماله،
يكون من قبيل المأذون فيه.
ذلك ضرب من الاستصحاب.
وهنا ضرب آخر، وهو استصحاب ما دلّ الشرع على ثبوته؛ كملك الأرض أو البضاعة عند تحقق القول المقتضي له، وحلِّ النكاح بعد امتلاك العصمة، وشغل الذمة عند التزام مال أو إتلافه، فإذا عرض شك في الملك، أو حل النكاح، أو شغل الذمة، ألغي الشك، وقضي باستمرار الملك حتى تقوم البينة على نفيه، وببقاء العصمة حتى يعلم انقطاعها، وببقاء الذمة مشغولة بما التزمت، وقيمة ما أتلفت حتى تثبت براءتها بإقرار أو بينة.
والقضاء ببقاء الملك أو العصمة أو شغل الذمة، مع عروض الشك فيها، يستند إلى استصحاب ما دلّ الشرع على ثبوته قبل حال الشك، فصار بعد حال الشك بمنزلة المعلوم. ولم يختلف أهل العلم في العمل بهذا الضرب من الاستصحاب إلا أن يقوم تجاهه ما يراه المجتهد أقرب دلالة، وأظهر حكماً.
ذانك ضربان من الاستصحاب.
وهنا ضرب ثالث، وهو استصحاب العلم الأصلي؛ كأن يدعي الشريك أو المضارب أن المال لم ينتج عنه ربح، فتقبل دعواه استصحابًا للأصل الذي هو عدم الربح، إلا أن يثبت الربح ببينة. ومن مُثله: أن يشتري المضارب صنفًا من البضائع، فيدّعي صاحب المال أنه نهاه عن شراء هذا الصنف،

الصفحة 40