كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

جعل القول لمدعي الصحة فيما إذا جرى العرف على الصحة حاصل في العرف الفاسد، وهو غلبة معنى على الناس يقتضي غلبة الظن بصدق من اقترن هذا المعنى بدعواه.
وبمراعاة العرف في كثير من الأحكام صحّ أن تختلف أحكام بعض الوقائع باختلاف المكان والزمان؛ لأن العادة قد تجري في موطن دون آخر، وتطرأ في عصر، وتنقطع في عصر، ولا يعد اختلاف الأحكام باختلاف العادات اختلافاً في أصل خطاب الشارع، بل معنى هذا الاختلاف: أن العادات إذا اختلفت، اقتضت كل عادة حكماً يلائمها، فالواقعة إذا صحبتها عادة، اقتضت حكماً غير الحكم الذي تقتضيه عندما تقترن بغيرها من العادات، فإذا جرت عادة قوم باستقباح كشف الرأس في جماعة، كان للقاضي أن يعزر من استحق التعزير الخفيف بكشف رأسه في ملأ من الناس، فعمل من استحق التعزير قد اقترن بعادة استقباح كشف الرأس، فكان التعزير بكشف الرأس مجزئًا. وإذا لم يكن كشف الرأس في عادة قوم مستقبحاً، امتنع أن يكون طريقاً كافياً للتعزير، ولا بدّ للقاضي من اتخاذ طريق آخر يكون له وقع الألم في نفس المستحق للتعزير. فخطاب الشارع الذي تعلق بالواقعة المقتضية للتعزير حال صحبتها لعادة استقباح كشف الرأس، غيرُ الخطاب الذي يتعلق بواقعة مثلها تصاحب عادة عدم استقباح ذلك.
ولاختلاف الأحكام باختلاف العرف ترى فقهاء المذاهب لا يأخذون بفتاوى أئمتهم القائمة على رعاية العرف، متى تحققوا أن العرف قد تغير، وأن الواقعة أصبحت تستحق حكماً آخر غير ما قرره الأئمة من قبل، فلفقهاء المالكية؛ كأبي عبد الله بن عتاب، والقاضي أبي بكر بن العربي، وأبي الوليد

الصفحة 48