كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

ابن رشد، وأبي الأصبغ بن سهل، والقاضي ابن زرب - فتاوى عدلوا فيها عن المشهور في المذهب، وبنوها على رعاية العرف، وجرى باختيارهم عمل أهل القضاء والفتوى من بعدهم.
قال شهاب الدين القرافي في "قواعده": إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك، لا تجره على عرف بلدك، والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات - أيةً كانت - إضلال الذي الدين، وجهل بمقاصد المسلمين والسلف الماضين.
وكذلك ترى فقهاء الحنفية يخالفون ما نص عليه أبو حنيفة في مسائل بناها على عرف كان جاريًا في زمنه. وقالوا في وجه هذه المخالفة: إن أبا حنيفة لو كان في زمنهم، لما وسعه إلا أن يفتي بما أفتوا به. ولم يعدّوا التصرف في الأحكام القائمة على العرف خروجاً عن المذهب، وإنما هو الأخذ بأصل إمامهم الذي يقتضي الرجوع إلى العرف في الأحكام.
يراعى العرف في القضاء والفتوى، وليس للفقيه أن يفتي أو يقضي بما جرى به العرف المخالف لأصل من أصول الشريعة، إلا أن تدعو إلى ما جرى به العرف ضرورة، فيكون الحكم مبنيًا على مراعاة الضرورة، ويدخل في قبيل الرخصة التي يقررها الفقيه على سبيل الاجتهاد.
فشأن الفقيه أن ينظر في المعاملات المخالفة لأصل من أصول الشريعة، فإن وجدها ناشئة عن ضرورة، كان له أن يستثنيها من أصل المنع، ويجعل الضرورة علة استثنائها من ذلك الأصل. فإن كانت ناشئة عن جهالة، أو هوى غالب، فما له إلا أن يفتي بفسادها، ويعلم الناس وجه المعاملة الصحيحة. ولا يصح جعل ما يجري به العرف الفاسد أمراً مشروعاً، ويفتى بصحته دون

الصفحة 49