كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

أن تدعو إليه ضرورة يحسن العارف بمقاصد الشريعة تقديرها.
قال العلامة أبو عبد الله بن شعيب أحد علماء تونس في القرن الثامن: "وغلبة الفساد إنما هي من إهمال حملة الشريعة، ولو أنهم نقضوا عقود الفساد، لم يستمر الناس على الفساد".
وقال الأستاذ الشيخ إبراهيم الرياحي التونسي في إحدى فتاويه: "والعرف المعتبر هو ما يخصص العام، ويقيد المطلق، وأما عرف يبطل الواجب، ويبيح الحرام، فلا يقول به أحد من أهل الإِسلام".
فإذا أفتى بعض الفقهاء بصحة عقد مخالف لأصل شرعي، وظهر من عبارته أنه استند في إفتائه إلى جريان العرف بهذا العقد، فاعلم أن العبارة لم تفرغ في قالب التحقيق، أو أنه لم يزن الفتوى بقسطاس الشرع المستقيم.
وقد يذكر بعض الفقهاء العرف في سياق الاستدلال على جواز أمر، ويريدون ما كان جاريًا في عهد النبوة، أو بين أهل العلم، وليس الدليل في الحقيقة نفس العرف، وإنما هو إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو الإجماع الذي لا ينعقد إلا على دليل. ومثال هذا: أن الإِمام مالكاً خصّ قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] بغير ذوات الأقدار والشرف، وقال: لا يجب على الشريفة إرضاع ولدها؛ لأن العادة جارية بذلك. ولا يريد الإمام: أن مجرد جريان العرف يسوغ هذا التخصص، وإنما أراد: جريان العرف مع عدم إنكار أهل العلم من السلف، فيرجع إلى الاستدلال بالإجماع. وقال بعض أهل العلم: عدم إرضاع الشريفة لولدها عادة عربية، واستمر الأمر فيها بعد الإِسلام إلى زمن مالك - رضي الله عنه -. ومن هذا القبيل: اكتفاؤهم في صحة البيع بالمعاطاة مستندين إلى العادة. وقالوا: إن استمرار هذه العادة،

الصفحة 50