كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

وهم يسمعون، وأشار إلى أن وجه النهي عن هذا السب: إفضاؤه إلى ما فيه المفسدة، وهو إطلاق ألسنتهم بسب الله تعالى. ويضاهي هذا الشاهد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه"؛ قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: "يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه" (¬1)، فجعل الرجل شاتمًا لوالديه، ولم يصدر منه شتمهما، وإنما تعاطى وسيلة هذا الشتم؛ وهو شتمه لأبي الرجل الأجنبي أو أمه، فدل على أن فاعل الوسيلة بمنزلة فاعل ما يتبعها.
وفي الشريعة أحكام كثيرة تقوم على إعطاء الوسائل حكم ما من شأنه أن يوجد بعدها من ضروب الفساد، تراها قد منعت نكاح المرأة قبل أن تنقضي عدتها؛ حذرًا من اختلاط الأنساب، ثم منعت خطبة المعتدة باللفظ الصريح؛ لأنها تفضي إلى تسرع المعتدة بالإجابة، وادعاء انقضاء العدة قبل انتهاء أجلها، وقبول الهدية مأذون فيه، ولكنه يحرم على المقرض قبول هدية من المفترض كراهة أن تتخذ الهدية طريقاً للربا. وكذلك القاضي لا يجوز له قبول الهدية؛ حذراً من أن تتخذ وسيلة لموبقة الارتشاء. قال ربيعة: "إياك والهدية؛ فإنها ذريعة الرشوة".
وإذا أقبل القاضي على أحد الخصمين دون الآخر، وبشّ في وجهه، انكسر قلب خصمه، وضعف بيانه عن إقامة الحجة، فيضيع حقه. فيحرم هذا الإقبال؛ لأنه وسيلة إلى ضعف البيان الذي هو سبب ضياع كثير من الحقوق.
وقد تلقى تبعة الضمان على فاعل الوسيلة إذا أفضت إلى ما فيه المفسدة؛ كربّان السفينة يخرج في تصريفها عن المعتاد، ويسير بها في خطر، وهو قادر
¬__________
(¬1) "صحيح الإمام البخاري".

الصفحة 53