كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

على اجتنابه، فإنه يضمن ما يضيع بغرقها من الأموال والنفوس، وإن لم يقصد إلى إغراقها. وجاء في فتاوى علمائنا: أن من حفر بئرًا في طريق شخص قاصداً هلاكه، فوقع فمات، كان جزاؤه القصاص.
ولا تختص الذرائع التي يجب سدها بالأفعال، بل يعد في قبيلها ترك الأفعال التي تحمى بها نفوس أو أموال. فمن وجد رضيعاً بمكان خال، وتركه بحاله، وهو قادر على إنقاذه، عالم بأن تركه يفضي إلى موته، فمات، عُدّ تركه للطفل في موقع التهلكة جريمة؛ إذ كان من وسائل الفساد التي يجب سدها، ومعاقبة من يرتكبها.
وجاء في فتاوى الفقهاء: أن من منع فضل مائه مسافراً، وهو عالم أنه لا يحل له منعه، وأنه يموت إن لم يسقه، فمات، حقت عليه عقوبة القصاص. وكذلك الحارس ينام اختياراً في غير الوقت الذي اعتاد فيه النوم، فيضيع شيء مما أقيم لحراسته، فإنه يضمن ما ضاع، وليس نومه إلا تركاً للحراسة، وكان هذا الترك وسيلة إلى ضياع المال.
لم يختلف العلماء في أن سد الذرائع من أصول الشريعة، وإنما يختلفون في بعض الفروع، يذهب بها بعضهم نحو سد الذرائع، ويرجع بها آخرون إلى أصل غير هذا الأصل.
قال أبو إسحاق الشاطبي: "إن سد الذرائع أصل شرعي قطعي متفق عليه في الجملة، وإن اختلف العلماء في تفاصيله، وقد عمل به السلف بناء على ما تكرر من التواتر المعنوي في نوازل متعددة دلت على عمومات معنوية، وإن كانت النوازل خاصة، ولكنها كثيرة". يريد الشاطبي: أن السلف جروا في تفصيل بعض الأحكام على أصل سد الذرائع. ومستندهم في تحقيق هذا

الصفحة 54