كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

الأصل: ما ورد في الكتاب والسنّة من الأحكام- العائدة إلى هذا الأصل، وهذه الأحكام وإن كان كل واحد منها متعلقًا بنازلة خاصة - قد بلغت من الكثرة مبلغ ما يدل على قصد الشارع إلى سد ذرائع الفساد، فتكون هذه الأحكام الكثيرة بمنزلة قول عام يرد في القرآن أو السنّة مصرحاً ببناء الأحكام على سد الذرائع.
والذرائع ثلاثة أقسام:
أحدها: ما أجمع العلماء على سدِّه، وهي الوسيلة التي تفضي إلى ما فيه مفسدة على وجه القطع، أو الظن القريب منه؛ كإلقاء السموم في الأطعمة، وحفر الآبار في الطرق. فإلقاء السم في الطعام يفضي على وجه القطع أو الظن القريب منه إلى موت من يتناول الطعام، كما أن حفر الآبار في الطرق يفضي إلى وقوع السائرين بها في غفلة أو ظلام.
ومن هذا القسم: صنع الخمر، والاتجار بها؛ فإنه يفضي إلى مفسدة تعاطي شربها قطعاً أو ظناً غالباً، ويدلكم على وجوب سد هذه الوسائل: حديث أنس فيما رواه الترمذي: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وواهبها، وآكل ثمنها"
وللحاكم المسلم أن يمنع بمقتضى هذا من زرع المخدرات، والاتجار بها ويضع على ذلك عقوبة رادعة.
ثانيها: ما أجمعوا على إلغائه، وعدم الالتفات إليه، وهي الوسائل التي يكون إفضاؤها إلى المفسدة نادراً، ومثال هذا: زرع العنب؛ فإنه يكون وسيلة إلى اتخاذ الخمر وتناولها شرباً، ولكن هذه المفسدة نادرة بالنسبة

الصفحة 55