كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

إلى الانتفاع بالعنب من حيث إنه ثمرة طيبة، فلا تمتد الحرمة من تعاطي الخمر إلى وسيلته التي هي زرع العنب، بل تبقى منوطة بنحو تحويله إلى خمر، أو تعاطي ما أسكر من عصيره.
وقد يكون اتخاذ الخمر من العنب في بعض البلاد كثيراً، ولا تقتضي هذه الكثرة المنع من زرع العنب؛ فإن في هذا المنع حرمانًا للناس من منافعه الطيبة، وقد جعل الشارع لموبقة الخمر عقوبة، متى تولى القيام عليها حازم رشيد، طهرت البلاد من خبث المسكرات، وباهت سائر البلاد برجال لا يخالط عقولهم كدر، ولا يمس نشاطهم كسل، ولا يدنو من جِدِّهم هزل.
وإذا فرض أن أمة تبلغ في السفاهة أن يكون اتخاذ الخمر هو الغالب على أعنابها؛ بحيث يكون انتفاعها من العنب في غير هذا الوجه نادرًا، كان للعارف بأصول الشريعة وسياستها النظر في هذه الحالة؛ ليقرر لها حكماً مطابقاً لها.
وفي صناعة الطب مصلحة الشفاء من أمراض كثيرة، وقد تكون المداواة وسيلة إلى إتلاف بعض النفوس، وهذه الحالة نادرة بالنسبة إلى ما تفضي إليه من الصحة والسلامة، فتلغى الحالة النادرة، وتبقى المداواة مأذوناً فيها بإطلاق، وليس على الطبيب ضمان ما أتلف، إلا أن يتبين تفريطه، وعدم نصحه في العلاج.
وفي تسيير السفن في البحر منافع لا تحصى، وقد يفضي تسيير السفينة إلى غرقها، وهلاك ركابها, ولكن الغرق نادر بالنظر إلى السلامة، فتلغى الحالة النادرة، ويبقى تسيير السفن مأذوناً فيه بإطلاق، وليس على ربّان السفينة

الصفحة 56