كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

متى غرقت من ضمان؛ إلا أن يتصرف فيها على وجه يتبين فيه تفريطه.
ويلحق بهذا الضرب اتخاذ السيارات والطيارات والغواصات، فإنه قد ينشأ عن استعمال هذه المخترعات إتلاف بعض النفوس البريئة، ولكن هذا الضرر قليل بالنسبة إلى ما يترتب عليها من نحو مصلحة الدفاع، وقطع المسافات البعيدة في أقرب زمان، فلا تمتد الحرمة من إتلافها لبعض النفوس إلى أصل استعمالها، بل تبقى الحرمة مقصورة على استعمالها بدون روية واحتراس، وهو المفضي إلى نحو إهلاك النفوس أو الأموال.
ثالثها: ما يتردد بين أن يكون ذريعة إلى مفسدة، وبين أن لا يكون، وهذا موضع اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من قال بالمنع من هذا القسم؛ نظراً إلى ما قد يفضي إليه من المفسدة، ومنهم من ذهب إلى الإغماض عنه، وعدم عدّه في الذرائع التي يجب سدها، ومثال هذا: استناد القاضي في الحكم إلى ما يعلم من حال القضية ترفع إليه، فمن أهل العلم من منعه. وأوجب على القاضي الرجوع إلى البينات، والوقوف عندها؛ مخافة أن يتخذ القضاة الذين لم تشرب قلوبهم التقوى الاستناد إلى العلم ذريعة إلى الجور في القضية، فيفصل فيها اتباعاً للهوى، بزعم أنه يعلم منها ما لم تعلمه البينة.
فاستناد القاضي إلى علمه متردد بين أن يكون وسيلة إلى حفظ الحق، وأن يكون ذريعة إلى مفسدة الجور في القضاء. والمحققون على سد الذريعة في مثل هذا الفرع. والقاضي الذي يعلم من القضية خلاف ما قامت عليه البينة، يصرف الحكم فيها إلى غيره، ويشهد لديه بما يعلم، فتجري عليه أحكام الشهادة، فإما أن يقبل، وإما أن يلغي.

الصفحة 57