كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

رمضان، ومن لا يجيزون ترك المندوب لخوف اعتقاد وجوبه أو سنيته، ويعتمدون على أن من واجب العلماء تبيين أحكام الشريعة وآدابها للناس، وإزاحة ما يحوم بأذهانهم من الأوهام الباطلة، وهذا هو الوسيلة التي يكفي بها شر اعتقاد العامة لسنية الأمر المندوب أو وجوبه.
وكمانظر الشارع إلى وسائل الفساد فسدّها، نظر إلى وسائل ما فيه صلاح، ففتحها بالإذن فيها، والحثّ عليها. ومثال هذا: تسعير ما يباع في الأسواق من نحو الأقوات؛ فإنه ذريعة إلى حماية العامة من أن يغبنوا، ويغلي الباعة عليهم ما يحتاجونه في كل يوم. فالإذن في التسعير فتح ذريعة إلى مصلحة اقتصادية لا يستهان بها. فلوليّ الأمران يجمع وجوه أهل السوق، ويحضر غيرهم استظهاراً على صدقهم، فيسألهم كيف يشترون، وكيف يبيعون، ويضع للحاجيات أثماناً محدودة فيها ربح للباعة، ولا تجحف بالعامة.
ونرى الشريعة تأتي إلى الأمر يكون له وجه من الضرر، فتأمر به حيث يكون ذريعة إلى ما فيه مصلحة أكبر من ذلك الضرر، ومن هذا القبيل: بذل المال لفداء الأسرى، فالمال المبذول للعدو يزيده قوة، وحرام على المسلمين أن يمدوا عدوهم، ولو بوزن ذرة من ذهب أو فضة، ولكن هذا البذل ذريعة إلى مصلحة يصغر في جانبها ضرر البذل، والمصلحة هي إنقاذ المسلمين من أيدٍ تسومهم سوء العذاب أو الهوان.
وفي حلف الشخص بالله كاذباً إثم كبير، ومقتضى هذا: أنه لا يجوز لصاحب الحق - متى أنكر المدعى عليه - أن يطالبه باليمين؛ لأنه يدفعه إلى ارتكاب الإثم الكبير، ولكن الشارع الحكيم أذن لصاحب الحق في تحليف

الصفحة 59