كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

ودرء المفاسد، نشأت قاعدة: المصالح المرسلة.
لا نزاع في بناء الأحكام على المصالح التي قام الدليل الشرعي على رعايتها، ومثال هذا: حفظ العقل الذي دلّ على رعايته تحريم الخمر، وإقامة الحد على شاربها، فإذا عرض للمجتهد مطعوم لا يسمّى خمراً، ولكنه يفعل بالعقل ما تفعله الخمر، لم يتردد في تحريمه؛ أخذاً بالدليل القائم على اعتداد الشارع بمصلحة حفظ العقل، وبنائه بعض الأحكام على رعايتها، وهذا هو أصل القياس في الشريعة، فإنه مبني على التفقه في بعض الأحكام المنصوصة، ومعرفة قصد الشارع فيها إلى مصلحة بعينها، حتى إذا وجدت هذه المصلحة في واقعة أخرى، أخذت حكم الواقعة المصرح بها.
ولا نزاع في عدم الاعتداد بالمصالح التي قام الدليل الشرعي على إلغائها، والشارع الحكيم لا يلغي مصلحة إلا إذا عارضتها مصلحة أرجح منها، أو استتبعت مفسدة لا يستخف بأمرها، ومثال هذا: الاستسلام للعدو: قد يبدو أن فيه مصلحة حفظ النفوس من القتل، ولكن الشارع رأى أن هذه المصلحة مغمورة بالمفاسد من كل جانب، فلم يعتدّ بها، وأذن في دفاع العدو؛ نظراً إلى مصلحة أرجح منها، وهي: احتفاظ الأمة بالعزة والكرامة، والتمكن من المسابقة في مضمار الحياة.
ومن هذا الباب: تعدد الزوجات: يتبعه من الضرر أن تتألم المرأة من أن تشاركها في صلة الزوجية امرأة أخرى، ففي ترك التعدد مصلحة هي: قطع وسيلة استياء الزوجة، ولكن الشارع ألغى هذه المصلحة مكئفيًا بما اشترطه من العدل بين الزوجات، وأباح التعدد؛ نظراً إلى ما قد يترتب عليه من المصالح؛ كتكثير النسمل، ومساعدة الرجل على تجنب الحرام الذي قد

الصفحة 61