كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

حين يشتركون في القتل، سهل على أحقادهم أو شهواتهم أن تسوقهم حتى يمدوا أيديهم إلى إزهاق الأرواح دفعة، ففي قتل الجماعة بالواحد مصلحة حياة نفوس كثيرة، وحفظها من أن يتواطأ على قتلها جماعات ما لها في احترام الأرواح من خلاق.
ومما أسندوه إلى هذه القاعدة: أن يتحفز العدو للهجوم على بلاد الإِسلام، ولم يكن في بيت المال ما يقوم بحاجة الجند المهيأ لقتاله، فقد قال طائفة من علماء الأندلس: للامير العادل أن يفرض على الأغنياء ما يراه كافيًا للجند في الحال، ووجه المصلحة: أن هذا الفرض تقوى به شوكة الدولة، وتخلص به البلاد من استيلاء قوم إن ظهروا عليها, لا يرقبوا فيها إلاًّ ولا ذمة.
وإلى هذه القاعدة يستند الإمام مالك في إجازته سجن المتهم، فالسجن عذاب، والأصل أن لا يعذب أحد لمجرد الدعوى، ولكن الإِمام - رحمه الله تعالى- نظر إلى أن في سجن المتهم مصلحة الوصول إلى الحق، وليس ببعيد أن يقصد الشارع إلى حفظ هذه المصلحة، ويغضي عما يلحق المتهم من ألم الاعتقال، والمراد من المتهم: من تقوم حوله قرينة تحيك في نفس الحاكم، وتؤثر في قلبه شيئاً من الظن.
وليس في الأخذ بالمصالح المرسلة فتحُ طريق يدخل منه العوام إلى التصرف في أحكام الشريعة على ما يلائم آراءهم أو ينافرها - كما ظنه بعض الكاتبين -؛ فإن ما ذكرناه في شرط الأخذ بهذه المصالح؛ من عدم ورود دليل شرعي على رعايتها، أو إلغائها برفعها عن أن تكون في متناول آراء العامة أو أشباه العامة، إذ لا يدري أن هذه المصلحة لم يرد في مراعاتها أو

الصفحة 64