كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 1)

إهمالها دليل شرعي إلا من كان أهلاً للاستنباط.
قال الشيخ عمر الفاسي في رسالة له في الوقف: "وأنى للمقلد أن يدّعي غلبة الظن أن هذه المصلحة فيها تحصيل مقصود الشارع، وأنها لم يرد في الشرع ما يعارضها, ولا ما يشهد بإلغائها، مع أنه لا بحث له في الأدلة، ولانظر له فيها، وهل هذا إلا اجتراء على الدين، وإقدام على حكم شرعي بغير يقين؟ "، فليس كل ما يبدو للعقل أنه مصلحة يدخل في قبيل المصالح المرسلة، وتبنى عليه الأحكام، وإنما هي المصالح التي يتدبرها من هو أهل لتعرف الأحكام من مآخذها حتى يثق بأنه لم يرد في الشريعة شاهد على مراعاتها أو إلغائها.
ولا يقف في سبيل المصالح المرسلة ما أورده بعض الكاتبين؛ من أنه يفضي إلى اختلاف الأحكام باختلاف المواطن والعصور؛ فإن هذا الاختلاف معدود في محاسن الشريعة، وهو ناحية من النواحي التي روعيت في جعلها الشريعة العامة الباقية. وليس اختلاف الأحكام الناشئ عن مراعاة المصالح المرسلة اختلافاً في أصل الخطاب، وإنما جاء من جهة تطبيق أصل عام دائم هو: أن المصلحة التي لم يرد دليل على مراعاتها بخصوصها أو إلغائها، يقضي فيها المجتهد على قدر ما يراه فيها من إصلاح. فالأحكام المبنية على رعاية المصالح المرسلة تستند إلى أصل تعرَّفه المجتهدون من موارد الشريعة، فكأن الشارع يقول للذين أوتوا العلم: إذا عرض لكم أمر فيه مصلحة، ولم تجدوا في الأدلة التي بين أيديكم ما يدل على رعايتها بخصوصها أو إلغائها، فزنوا تلك المصلحة بعقولكم الراسخة في فهم المقصود من التشريع، وفصّلوا لها حكماً يطابقها.

الصفحة 65