كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 2)

ظواهر وأسراراً، حتى استضاء لي من نجومها هدى، وتنفس لي من مشارقها صباح مبين، ثم قصدت إلى سيرة الخلفاء الراشدين، وقبضت من أثرها قبضة أضفت إليها قوادح أنظار هي في الحقيقة خادمة لها، ومساعدة على إبرازها في هيئة تشملها نظرة واحدة، وإليكم مساق حديثها:
لا يمتري أحد فيما تناجيه به حاسة وجدانه من الميل إلى هذه الحياة، والحرص على استطالة أمدها، ومن ها هنا اشتدت به الحاجة إلى السعي في مطالبها، والتعلق بأسبابها؛ من الغذاء والكساء والمسكن وما شاكلها، فيقتحم الإنسان المصاعب، ويعاني الشدائد في طلبها، ولا يثبطه عنها ما هو موضوع في طبيعته من الميل إلى الكسل والراحة.
وقد يجري على مخيلته اشتباه: هل الولوع بالحياة الدنيا يكون لذاتها وطبيعتها، أو للغايات التي يحرزها في مضمارها، والمآرب التي يتصيدها بحبالتها؟ فيدعوه هذا الالتباس إلى حركة فكرية، يستنتج من وراء تدافعها أن النفوس الناطقة إنما أولعت بحب هذه الحياة، وشغفت بلذة عيشها من
¬__________
= لبثت في هذا التردد أمداً غير بعيد، فإذا أمنية تنازعني في نفسي، ولطالما نظرت إليها بعين المشوق المستهام، إن هي إلا ابتغاء الدخول في صف فتية من إخواني الأدباء، كنت أسايرهم إذا أعنقوا في الآداب، وأشد كفي بعرا مرافقهم التي ألفتها قديمًا، ولبثت فيها من عمري سنين، فأكره شديداً أن أسل يدي من رابطتهم، وأحجم عن مجاراتهم ما اهتديت لذلك سبيلاً.
تحركت هذه الأمنية، وقويت داعيتها، فأرتني الأمر قريب المأخذ، سهل التناول، حتى تخيلته موضوعاً على طرف الثمام، فانقلب ذلك التردد من حينه حاديَ سمع ومطاوعة، وعند التفاهم مع الرئيس في موضوع المسامرة وقع الاختيار على مبحث: الحرية في الإسلام.

الصفحة 6