كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 2)

وأخوه الوزير أحمد، وكان هذا داعية إلى الاعتزال لا يستتر بذلك، إلا أنهم كانوا فئة قليلة لم يبلغ من شأنهم أن يجعلوا قرطبة كبغداد تعقد فيها مجالس المناظرة بين علماء الكلام على اختلاف مذاهبهم وآرائهم.
ومن علماء الأندلس الذين بحثوا في الكلام بنظر مستقل: أبو محمد ابن حزم، وهذا كتابه "الفصل في الملل والنحل" ينحو فيه نحو المجتهد المطلق، فقد يخالف الإمام الأشعري وغيره من أهل السنة، ويرد تارة على المعتزلة، وينقض مرة آراء الفلاسفة.

* علماء الأندلس والفلسفة:
يتقبل الدين الحنيف علوم الأرض وعلوم السماء، على تباين أسمائها، واختلاف موضوعاتها، فكان علماء الأندلس ممن قدروا علوم الفلسفة، وأضافوها إلى ما عندهم من فقه أو حديث، وقد كان الأمير عبد الرحمن الأوسط يجمع بين علوم الشريعة والفلسفة، وهو أول من درس الفلسفة من أمراء الأندلس، وتظاهر بها. وكان أبو عبيدة بن أحمد - الذي يقولون: إنه أول من اشتهر بعلم الأوائل - صاحب فقه وحديث، وكان أبو الوليد بن هشام من حفاظ الحديث، ويصفه مؤرخو الأندلس بأنه كان أعلم الناس بالهندسة وآراء الحكماء. وما كان أبو بكر بن الطفيل وأبو الوليد بن رشد إلا من رجال الدين، وكان كل منهما يعمل لبيان أن الفلسفة الصادقة لا تناقض الشريعة في حال.
وأما ما أصاب الفلسفة وبعض الفلاسفة من مقت أو أذى، فتبعته ترجع إلى استبداد بعض الأمراء، أو جهالة بعض السوقة، أو حماقة بعض المنتمين إلى الفلسفة؛ حيث يطيشون من بعض طرقها المظلمة إلى تخبط

الصفحة 71