كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 4/ 2)

والفرق بين الآراء العامية والآراء الفلسفية: أن الآراء العامية تنشأ عن إحساس خاص في أحوال خاصة، فالرجل الذي يبدو له أن السعادة في الغنى، أو في صحة البدن- مثلاً - إنما حدث له هذا الرأي من ألم الفقر، أو شدة المرض، ومن الجائز أن ينتقل إلى يسار أو صحة، فيتغير رأيه في السعادة، ويذهب في تصورها إلى شيء آخر أصبح يحس بشدة حاجته إليه؛ كصلاح حال الولد، أو الزوجة، أو الأصدقاء.
أما المذاهب الفلسفية، فإنما تتكئ على النظر والاستدلال، فالذي يقول: إن السعادة في اللذة الحسية، لو صدرت منه هذه المقالة وهو يرتع في الشهوات، ولم يذكر في الاستدلال عليها وجهاً يستوقف النظر، لقلنا: هذه المقالة وليدة الخلاعة، ولما صحّ لنا أن نضعها بجانب الآراء الفلسفية، ولكنها مقالة صدرت من طائفة أوردوا في الاستدلال عليها ما شأنه أن يعلق بكثير من النفوس البائسة، فكان من حقها أن تدخل في قبيل الفلسفة، ولو بوجه كاسف كئيب، وكان من حقنا أن نتعرض لها بالنقد، ونميطها عن الأذهان كما يماط الأذى عن الطريق.
فـ (أويدوكس) الفيلسوف اليوناني يعزو إليه أرسطو في كتاب "الأخلاق" ارتياء أن اللذة هي الخير الأعلى، ويذهب في الاستدلال على هذا إلى أنه يرى جميع الكائنات ترغب في اللذة، وتسعى لها، سواء كانت هذه الكائنات عاقلة، أم غير عاقلة، وما كان محط الرغبة من جميع الكائنات يجب أن يكون هو الخير الأعلى.
فهذا الاستدلال من (أويدوكس) يكفي لأن يعدّ رأيه في اللذة مذهباً فلسفياً. ولنا بعد هذا أن ننقده، ونستبين ما يحمله من غلط وفساد.

الصفحة 78