كتاب الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

52 - حدثني أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا عمران بن أبي جميل الدمشقي، قال: حدثنا شهاب بن خراش، قال: حدثنا أبو الهيثم، بياع القصب قال: مررت أنا وسعيد بن جبير على بني الأشعث، وإذا هم على طنافس، وعليهم ألوان الخز, فسلم عليهم، فجعلوا يقولون له: مرحبا بأبي عبد الله, ويسلمون عليه: اجلس, فلما ولى عنهم بكى حتى بلغ الكناسة بكاء شديدا, قلت: ما يبكيك؟ قال: إنني ذكرت الجنة ونعيمها وشبابها حين رأيت هؤلاء.
53 - حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثني إبراهيم بن مهدي، قال: سمعت أخا لشعيب بن صفوان يذكر عن بعض المشيخة، عن مولى لعمر بن عبد العزيز، قال: استيقظ ذات ليلة باكيا، فلم يزل يبكي, حتى استيقظت, قال: وكنت أبيت معه، فربما منعني النوم كثرة بكائه, قال: فأكثر ليلتئذ البكاء جدا, فلما أصبح دعاني, فقال: أي بني, ليس الخير أن يسمع لك ويطاع، إنما الخير أن تكون قد عقلت عن ربك, ثم أطعته, يا بني, لا تأذن اليوم لأحد علي حتى أصبح, ويرتفع النهار، فإني أخاف أن لا أعقل عن الناس, ولا يفهمون عني, فقلت: بأبي أنت يا أمير المؤمنين, رأيتك الليلة بكيت بكاء ما رأيتك بكيت مثله, قال: فبكى، ثم بكى، ثم قال: يا بني, إني والله ذكرت الموقف بين يدي الله, قال: ثم غشي عليه، فلم يفق حتى علا النهار, فما رأيته بعد ذلك مبتسما حتى مات.
54 - حدثني محمد، قال: حدثني يوسف بن الحكم، قال: حدثني عبد السلام, مولى مسلمة بن عبد الملك، قال: بكى عمر بن عبد العزيز، فبكت فاطمة، فبكى أهل الدار، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء, فلما تجلى عنهم العبر، قالت فاطمة: بأبي أنت يا أمير المؤمنين, مم بكيت؟ قال: ذكرت يا فاطمة منصرف القوم من بين يدي الله: فريق في الجنة، وفريق في السعير, ثم صرخ وغشي عليه.

الصفحة 115