كتاب الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

94 - حدثني محمد، قال: حدثني عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش، قال: كان أبو صالح مؤذنا, فأبطأ الإمام، فأمنا، فكان لا يكاد يجيزها من الرقة، يعني من البكاء.
95 - وحدثني محمد، قال: حدثني خالد بن عمرو الأموي، قال: حدثنا عبد الأعلى بن أبي عبد الله العنزي، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز خرج يوم الجمعة في ثياب دسمة، ووراءه حبشي يمشي, فلما انتهى إلى الناس رجع الحبشي, فكان عمر إذا انتهى إلى الرجلين قال: هكذا رحمكما الله، حتى صعد المنبر، فخطب، فقرأ: {إذا الشمس كورت} فقال: وما شأن الشمس؟ {وإذا النجوم انكدرت} حتى انتهى إلى: {وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت} فبكى، وبكى أهل المسجد، وارتج المسجد بالبكاء، حتى رأيت أن حيطان المسجد تبكي معه.
96 - وحدثني محمد، قال: حدثني روح بن سلمة الوراق، قال: حدثني الحكم بن نوح، قال: كنت مع ضيغم بعبادان، فزاره بشر بن منصور، فقال ضيغم: ويحك يا حكيم, انظر لنا بعض أصحابنا ممن يقرأ، فإن بشرا يعجبه حسن الصوت, فانطلقت، فأتيت بإنسان فارسي, حسن الصوت، فقالوا لي: لا تقل له يقرأ, حتى يهدأ أهل الدير, فلما سكنت الرجل، وهدأ الناس، قالوا له: خذ الآن, فجعل والله الفارسي يقرأ, والقوم يبكون وينتحبون, قال: ثم أخذ فجعل ينوح بالفارسية، وجعلوا والله يصرخون كما تصرخ الثكلى, قال: حتى استيقظ أهل الدير واجتمعوا, فأما بشر, فغشي عليه تلك الليلة مرارا, قال: وأما أبو مالك, فجعل يقوم ويقعد، حتى ظننت أن عقله قد ذهب, قال: فبتنا والله بليلة, أطيب ليلة, وألذ عيش, فكان بشر يقول لي بعد: ويحك يا حكيم, ما فعل الفارسي؟ ويحك يا حكيم, يقتل الناس ذاك الفارسي هكذا عيانا بصوته.

الصفحة 125